0
... كأنها الشرارةُ الأولى في حربٍ مؤجَّلة تَخْتَبِرُ بالنار توقيتَها الملائم. هكذا بدتْ الجبهات التي استيقظتْ على عجلٍ مع صباحات بيروت أمس. الدويُّ كان ثقيلاً قبل تهاوي الـ«اف 16» الاسرائيلية على مرمى العين من الجولان وبعده... أصواتُ غاراتٍ وشظايا صواريخ في البقاع على الحدود الشرقية مع سوريا، وأصوات صفارات الإنذار وقرقعة السلاح في الجنوب على الحدود مع إسرائيل، أما في الداخل فـ «الخَبَرُ العاجِل» ينافس القهوة المُرّة مع صباح الشمس، وينهمر كالرصاص كأنّ الحرب قاب قوسين، فاكفهرت الأجواء وسط أعصاب مشدودة وحبْس أنفاس وما شابه من مَظاهر تعوّدها اللبنانيون ويَخشون عوْدتها.

«حزب الله» وضع وحداته في حال التأهب القصوى على امتداد «ساحته» في لبنان وسوريا. ورئيس الجمهورية العماد ميشال عون تَداوَلَ مع رئيسيْ البرلمان نبيه بري والحكومة سعد الحريري، وتلقى تقارير. وزير الخارجية جبران باسيل دان انتهاك اسرائيل باستخدام الأجواء اللبنانية للعدوان على سوريا وأَوْعز بتقديم شكوى إلى مجلس الأمن. الشاشاتُ طاردتْ شظايا صواريخ مضادة أُطلقتْ من سوريا وتناثرتْ في البقاع. والمناطق المتاخمة للحدود مع اسرائيل في الجنوب تحوّلت «استديوهاتِ» بثٍّ تجس نبْض الناس وتضخّ معنوياتٍ في مواجهةِ احتمالات الحرب، أما في السياسة «المحلية» فتراجعتْ كل العناوين إذ «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة».

... تغييرُ قواعد الاشتباك، تَفاوُضٌ بالنار، مواجهةٌ وجهاً لوجه، إنزلاقٌ نحو الحرب بـ «خطوة إلى الأمام خطوتان الى الوراء»، «العمليةُ انتهت، لم تنتهِ اللعبة»... هذه بعض التوصيفات التي رافقتْ التطور الأهمّ والأشدّ دراماتيكية والأكثر دلالة في سياق المواجهة الإيرانية - الإسرائيلية الأولى من هذا النوع والمباشرة والتي«ما بعدها ليس كما قبلها»، بدليل اجتماع«الملجأ»الذي عُقد على عجل لمجلس الوزراء الاسرائيلي المصغّر، والاجتماع الطارئ لمجلس الأمن القومي الإيراني واشتعال«الهواتف الحمر»مع روسيا شريكة إسرائيل وحليفة إيران.

فإسقاط طائرة إسرائيل الأميركية الصنع بصاروخٍ سوري روسيّ الصنع تديره إيران، تَحوُّلٌ لا يستهان به في حربٍ واقعة بلا ساعة صفر.
تحت وطأة هذا التصعيد غير المسبوق، بدا لبنان في قلب المخاض في ضوء تهديداتٍ اسرائيلية لم يجفّ حبرُها توعّدتْ بإرجاعه الى«العصور الوسطى»، واستعدادات«حزب الله»لتحويل أي مواجهة كبرى الى«فرصة تاريخية»بعدما تحدّث مراراً وتكراراً عن«وحدة الميادين». فرغم مسارعة اللاعبين الإقليميين والدوليين الى احتواءِ يومِ المفاجآت والغارات، ثمة انطباع بأن العاصفة التي انحسرتْ لم تمرّ ولها ما بعدها في ضوء«صراعِ الجبابرة»على أرض سوريا وفي أجوائها. فالجميع يَنكبّون الآن على تقويم ما جرى لـ«يُبنى على الشيء مقتضاه»في منطقةٍ تترنّح فوق فوهةِ حربٍ يحول دونها حتى الآن الاعتقاد الراسخ بأنها ستكون على طريقة«يا قاتل يا مقتول».

وفي القراءات الأولية في بيروت لمجريات«السبت الساخن»ومسْرحه الميداني - السياسي، ثمة مقاربات متفاوتة، منها:
ان اللاعبين الكبار الذين يحرصون على إبقاء المواجهة في سوريا تحت السيطرة، لا يتردّدون في اللعب على حافة الخطوط الحمر وهم في الطريق الى التسوية السياسية. فبعد سقوط الـ«سوخوي»الروسية فوق إدلب قبل أسبوع بصاروخٍ تجزم موسكو أنه أميركي الصنع، سقطت الـ«اف 16»الاميركية بصاروخٍ من صنع روسي بالتأكيد، في اليوم عيْنه لإسقاط اسرائيل«درون»إيرانية عبرتْ أجواءها، وإسقاط مروحية تركية كانت في مهمة في عفرين الكردية، المحمية من القوات الأميركية.

ان الولايات المتحدة لم تعد مجرّد لاعِب عن بُعد وهي رسمتْ«بالنار»مساء الخميس الماضي واحداً من الخطوط الحمر أمام النظام السوري وحلفائه شرق سوريا حين استهدف التحالف الدولي بقيادة واشنطن مقاتلين موالين للنظام في محافظة دير الزور، ما أسفر عن سقوط نحو مئة قتيل.

رغم انه من المستبعد ان تكون إسرائيل فوجئت بامتلاك النظام السوري وحلفائه من الميليشيات الموالية لإيران صواريخ أرض - جو قادرة على ملاحقة طائراتها، فإن اصطياد الـ«اف 16»شكّل ضربة موجعة للتفوّق الاسرائيلي الجوي وغيّر قواعد اللعبة إلى الحد الذي يضاعف المَصاعب أمامها في أي حربٍ مقبلة. 

تأكيد إسرائيل ومعها«حزب الله»أن أي مواجهة مستقبلية ستشمل سوريا ولبنان معاً، وهو ما أعلنه الحزب بـ«مكبرات الصوت»حين تحدّث أمينه العام السيد حسن نصرالله عن إعداد عشرات الآلاف من«مجاهدي»محور الممانعة، من سوريا والعراق وإيران وباكستان وأفغانستان وغيرها، للمشاركة في أيّ مواجهةٍ مقبلة مع اسرائيل.

تَزامُن أول مواجهة مباشرة إسرائيلية - إيرانية في سوريا مع بدء تَوجُّه الولايات المتحدة الى إقران أقوالها بالافعال في اطار استراتيجية التصدي للنفوذ الإيراني في المنطقة، فها هو دونالد ترامب يُطْلق«رجاله»في اتجاه أوروبا والشرق الأوسط ترجمةً لقرار إدارته بالعمل على محاصرة نفوذ طهران والتصدي له.

وتشكّل جولة وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون في المنطقة والتي تشمل لبنان في 15 الجاري محطة بارزة في هذا السياق، وسط تقاطُع المعلومات عند أن ملف«حزب الله»سيكون في صلب محادثاته في بيروت. 

وفي هذا السياق، نُقل عن مسؤول رفيع في الخارجية الأميركية قوله إن تيلرسون سيلتقي في بيروت الرؤساء عون وبري والحريري وأن ذلك«سيمثل فرصة حقيقية لتأكيد دعمنا للبنان، الذي يواجه حالياً مجموعة كبيرة من التحديات بينها الدفاع عن حدوده من الإرهابيين والتعامل مع التدفق الهائل للاجئين، لا سيما أن البلاد استقبلت أكثر من مليون لاجئ منذ اندلاع الحرب السورية». 

وأوضح المسؤول أن «هذه الزيارة تشدد أيضاً على تمسكنا بالمؤسسات الوطنية اللبنانية، على رأسها القوات المسلحة اللبنانية وقوى الأمن الداخلي، علما أنها تحارب تنظيميْ داعش والقاعدة وتضمن الاستقرار في لبنان»، لافتاً الى«أنه من الواضح أن تيلرسون سيرفع كذلك قضية (حزب الله) الذي يلعب دوراً مخرباً في لبنان والمنطقة»، ومعتبراً أن «من البدهي أن استمرار مثل هذه الميليشيا بالنشاط خارج سلطة الدولة اللبنانية أمر غير مقبول... وهذه القضية ستمثل الموضوع الأساسي للمحادثات بين تيلرسون والزعماء اللبنانيين».

"الراي الكويتية" - 11 شباط 2018

إرسال تعليق

 
Top