0
رأى الرئيس أمين الجميّل ان "تصنيف الوزارات بين سيادية وعادية وخدماتية وثانوية يشكل تشريعا لثقافة الفساد".

وقال في كلمة في إفتتاح مؤتمر "تحصين الطائف ومناقشة الثغرات الدستورية" الذي انعقد في أوتيل هيلتون ميتروبوليتان - سن الفيل: "تحية مودة لفخامة الرئيس العماد ميشال سليمان على الجهود التي بذلها رئيسا، ويتابعها مواطنا وسياسيا ومرجعا، وتحية تقدير للقاء الجمهورية الذي يجهد من أجل الجمهورية وتطويرها. لا شك في أن لهذا اللقاء أهمية خاصة في مطلع العهد الجديد برئاسة العماد ميشال عون الذي ينظر اليه المواطن بأمل كبير. ولي كل الثقة في ان هذا المؤتمر سيخرج بإقتراحات تساهم في ورشة إعادة بناء المؤسسات من أجل انقاذ الوطن وتنشيط الحياة السياسية على كل الصعد".

أضاف: "موضوع لقائنا هو مراجعة بناءة لوثيقة الوفاق الوطني التي إتفق عليها في الطائف، باعتبارها المدخل للسلم الأهلي والوسيلة لوقف الإقتتال بين الأخوة، وتعزيز المشاركة في ممارسة السلطة. أما في واقع الحال، فيبقى السؤال: الى أي مدى أدى هذا الاتفاق غرضه، وحفظ سيادة البلد، وعجل في رفع الهيمنة والاحتلال عن لبنان؟
إن الجانب السيادي في الوثيقة جاء مفتقرا الى آلية فعالة بالنسبة الى انسحاب اسرائيل، وملتبسا ومبهما ويحمل الاجتهاد ونقيضه بالنسبة الى الوجود العسكري السوري. وهذا نوع من ادارة الازمة وترحيل الحل الى أجل غير مسمى.
لا شك في أن الطائف جاء نتيجة ظرف دقيق من تاريخ لبنان بعد مرحلة قاسية من الحرب اللبنانية -الفلسطينية، ثم الهيمنة السورية المتزامنة مع الاقتتال المسيحي- المسيحي الذي أنهك المقاومة اللبنانية، لا بل عطلها، وفرض مراجعة للنظام اللبناني على حساب ما ومن تمثل".

وتابع الجميّل: "إن هذا الواقع أفضى من خلال التعديلات الدستورية التي اقترحتها وثيقة الطائف، الى إضعاف موقع رئاسة الجمهورية، وإعادة توزيع السلطة بإتجاه قيادة جماعية. إن هذا المفهوم، أي القيادة الجماعية، هو مفهوم خاطىء للحكم، وقرار غير بريء، لان تشتيت السلطة وتوزيع صلاحياتها وقيام رؤوس متعددة، من شأنه ان يبدد مفهوم السيادة ويضع القرار الوطني بيد سلطة الوصاية أو سلطات الهيمنة. ولا بد هنا من إبداء الملاحظات التالية المتصلة بالثغرات الدستورية التي تسببت بها وثيقة الوفاق الوطني، سواء جراء عدم تنفيذها نصا وروحا، او لخلل بنيوي في الاصلاحات إقترف عن قصد أو عن غير قصد.
اولا: في الشكل ان إقرار ما سمي باصلاحات الطائف الدستورية جاء على عجل وكأن في الامر تهريبة او تسللا. فسلة الاصلاحات والتعديلات الدستورية بهذا الحجم الكمي والنوعي، كانت تستدعي على الأقل مناقشة في الاساس، وفي جو من الاستقرار النفسي والوجداني والذهني، لتصويب ما إلتوى من مفاهيم تستهدف السيادة والنظام، وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها.

ثانيا: في السيادة
نصت وثيقة الوفاق الوطني وبعدها كل مؤتمرات القمة العربية على تحقيق الوفاق الوطني، وبسط سيادة الدولة اللبنانية كاملة على كافة التراب اللبناني، وبقواتها الذاتية خلال مدة أقصاها سنتان.
كل هذا بقي من دون تنفيذ، فاعادة تموضع القوات السورية لم تتم وفق الجدول الزمني والجغرافي المتفق عليه، والجميع يعلم ما عانى منه لبنان جراء الوجود السوري الذي استمر حتى العام 2005، وكان ثمنه استشهاد دولة الرئيس رفيق الحريري، وقبله وبعده عشرات الشهداء، وقد أدى حزب الكتائب قدره باستشهاد العزيزين بيار وانطوان. والأخطر أن كلفة الاحتلال كانت ترسيخ ثقافة الخنوع والخضوع والمحاصصة والفساد المبرمج الذي أضحى من مكونات نظام الحكم، وانتهاك مبدأ فصل السلطات.
ولم ينفذ بند حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، واستمرت المربعات والجزر الامنية. وهذا إنتهاك موصوف لمفهوم السيادة الدستوري.

ثالثا: في السلطة السياسية
جعل إتفاق الطائف من رئاسة الجمهورية نظريا مرجعية سامية ومقاما دستوريا ورمزا لوحدة الوطن، في وقت جرد رئيس الجمهورية من الصلاحيات التي تمكنه من تحقيق مستلزمات القسم.
ونلفت الى المسائل التالية: إن هرطقة تعيين النواب وبعدها قوانين الانتخابات المتعاقبة منذ العام 1992 حتى اليوم، رسمت دوائرها المتفاوتة على القياس، وخطفت صوت المواطن الحر وكرست منطق المحادل، ما أدى الى تعطيل كل أنواع الرقابة النيابية. إن كل ذلك يؤكد تجاوز الدستور وإصابة النظام الديمقراطي إصابات بالغة.
ولا بد هنا لمناسبة التوافق العبثي على قانون للانتخاب، من طرح قانون يؤمن التمثيل الصحيح، وعدالته، ويعيد الاعتبار الى صوت الناخب، ونرى في نظام الدائرة الفردية ما يؤمن هذه الاهداف.

رابعا: في اللامركزية الادارية
إن اللامركزية الادارية الواردة في وثيقة الوفاق الوطني بقيت على هامش الاصلاحات وكأن المطلوب إبقاء سيف الزبائنية مسلطا على رقاب الشعب، وكأن الوظيفة منحة من الحاكم الى المحكوم، والخدمة منة من النائب الى الناخب. إن النظام اللامركزي يحرر المواطن من الإقطاع الخدماتي، ووقفات الذل على أبواب المتنفذين والدوائر. انها الحوكمة اللصيقة بالمواطن فتبقيه لصيقا بأرضه مهما ابتعدت المسافات عن العاصمة. كما تتيح اللامركزية رقابة على حسن سير الإدارة، ومحاسبة مباشرة للمسؤولين.

خامسا: في الشفافية والمحاسبة
إن إحدى تداعيات الوضع السائد هو شل يد اجهزة الرقابة وتعطيل دورها، فجاءت حركة التوظيف الرسمي استنسابية وعشوائية وزبائنية، إنطلقت في عهد الوصاية بشكل ممنهج، وتكرست بشكل منتظم. وأخطر ما في الامر ان هذ الآفة أسست لثقافة جديدة في لبنان هي ثقافة الفساد التي هي علة العلل، وسبب قرف المواطن من دولته وهجرة الشباب الى الخارج.
ويستوقفني في هذه اللحظة المنطق الشائع في تأليف الحكومات بفعل تصنيف غير مفهوم للوزارات، بين سيادية وعادية، وخدماتية وثانوية. ان هذا الفرز يشكل تشريعا لثقافة الفساد، ويضفي "مصداقية" لمفهوم الزبائنية وصرف النفوذ عن سابق معرفة وتصميم وإصرار من أصحاب الشأن. هذه شرعنة لتجيير المرفق العام للحساب الشخصي او الحزبي لمن يتولاه. والوزير سيتصرف هنا دون حسيب ولا رقيب، مغدقا المكرمات والخدمات الاستشفائية او الصحية او الانمائية لجماعته، وعاملا على حجبها عن خصومه السياسيين.
ما هكذا تبنى الدولة. ما هكذا يحارب الفساد.
إن كل وزارة تمثل سيادة الدولة. فوزارة البيئة وزارة سيادية، وإلا كان التصحر وجبال النفايات، كما هي الحال اليوم.
ووزارة الشباب والرياضة وزارة سيادية، والا صرنا مجتمع عكازات بفعل هجرة الشباب.
ووزارة الثقافة وزارة سيادية، إلا إذا أردنا الأمية ثقافة في بلد الابجدية الفينيقية.
ووزارة التصميم كانت وزارة سيادية، وبغيابها حل الارتجال والعشوائية والعمل على القطعة".

واشار الى ان "العهد الطالع الذي بشر بحكم محرر من قيود الماضي، والحريص، والحريصون معه على نجاحه، والآتي محصنا بأكثرية نيابية موصوفة، والشاهر طموحه بل ثورته على الشوائب التي عانت وتعاني منها البلاد، ننتظر داعمين ومساندين، ان تكون بين اولى انجازاته سلة قوامها:

اولا: إصلاح الخلل الذي ضرب التركيبة اللبنانية، بما يمكن رئيس الجمهورية من تحقيق القسم الدستوري الذي يؤديه فور انتخابه، حفظا لاستقلال الوطن اللبناني وسلامة أراضيه وكرامة مواطنيه.
ثانيا: إعادة تأهيل أجهزة الرقابة وتعزيز دورها وبخاصة مجلس الخدمة المدنية وديوان المحاسبة والتفتيش المركزي المالي والقضائي والاداري، ووضع آلية لضمان نزاهة وكفاءة القيمين على هذه الاجهزة، وربطها مباشرة برئاسة الجمهورية المؤتمنة على الدستور، وبرقابة المجلس النيابي.
ثالثا: تحرير المواطن من مفهوم الزبائنية المرهق والمكلف من خلال اعتماد التمثيل الوطني العام والمحلي الضيق الذي يعطي الناخب سلطة المحاسبة محررا من قيود الخدمات والوساطة والشفاعة. وهذا ما يحول الدولة من دولة غير صديقة للمواطنة، الى دولة صديقة وراعية في النظام اللامركزي".

وختم الجميّل: "إن المواطن يتوق الى نظام فيه العدالة والانفتاح والحداثة والعصرنة، ولبنان بحاجة ملحة اليوم الى الاستقرار والامان والوحدة الوطنية لدرء المخاطر الخارجية، فالمناعة تبدأ من الداخل، من الدولة التي يجب أن تثبت قدرتها على فرض سلطتها وسيادتها على كامل تراب الوطن، وتحقيق أماني شعبها. فلنبن دولة القانون، دولة المؤسسات، دولة الانسان في لبنان". 

3 كانون الأول 2016

إرسال تعليق

 
Top