0
كنت أَتجوَّل في منطقة الأسواق، بعدما أخذتني المصادفة الى ذكريات سوق الطويلة حيث كان مبنى "النهار" وتحته مباشرة مطعم "العجمي".
 
وأنا غارق في استرجاع تلك الأيام الحلوة، وتلك البيروت الأسطورة، وذلك اللبنان الذي ذهب مع الريح، تناهت الى مسمعي ضجة حوار صاخب بين مجموعة من الشبان حول السقوط المريع لـ"وطن النجوم" وجاذب مبدعي العالم وفنّانيه وشعرائه وأغنيائه وجميلاته، ومسؤوليّة السياسيين والوزراء والنواب والمرجعيات والقياديين أجمعين.
 
فجأة تعالى صوت يصرخ بالجميع مؤنباً، لائماً، ومتهماً: لقد هربت الأخلاق من لبنان، وكَثُر الحرامية، وانتشر الفساد، وعمَّت الفضائح، حتى غدا كل ما في البلد التعيس بشعاً وسيّئاً مثل الزبالة التي تقدّمت مشكلتها على كل القضايا الوطنيَّة والمصيرية، حتى أنست الناس كارثة الفراغ الرئاسي الذي "يحكم" البلد منذ سنتين وبضعة أشهر.
 
لقد هربت الأخلاق من الفاسدين واللاهثين خلف المكاسب والمناصب، من غير أن يعني لهم بقاء الوطن اليتيم بلا رئيس ولا دولة ولا مؤسسات ولا مَنْ يحكمون.
 
لبنان العزّ والفرح والازدهار والنخوة و"حديقة الأحلام" بالنسبة الى الشرق والغرب، هرب بدوره من "الأشخاص" أنفسهم، ومن الأسباب نفسها، ومن اللئام أنفسهم.
 
انكشف لبنان السياسي والحضاري والديموقراطي، لبنان الثقافة والإبداع والتطوُّر، وظهر عارياً من كل ما كان يتمتَّع به من انجازات وتميّزات وصفات جذبت إليه نُخَب العالم، ونجومه، وأثرياءه، والمميّزين البارزين في شتى الحقول.
 
تنظر إليه اليوم في حال الضياع التي تلفُّه، فإذا به كأنه بلد آخر لا يمتّ الى لبناننا ذاك بأية صلة. وكأن الشعوب التي تتحرّك في شوارعه وأسواقه ودروبه لم تلتق يوماً ذاك الشعب الذي كان يحمل لقب الشعب اللبناني.
 
بل كأن هذا البلد التائه، المحكوم بالشلل والتعطيل والفراغ والفشل والبطالة، محكوم بالتخلّف وما يصطحبُ من سيئات وبشاعات.
 
أهذا هو لبنانكم الذي تزعمون أنكم حرصاء عليه، وتتحكمون بمصيره ووجوده ودولته ومؤسساته تحت عنوان الغيرة عليه، والسعي المستميت في سبيل تسلم السلطة والسيطرة، كائناً ما كان الثمن؟
 
من أجل منصب تعطلونه طوال أعوام وأشهر؟ فإما أن يسلموا لكم زمامه وإما أن تأخذوه الى الهاوية؟
 
تفرِّغونه من كل ما كان يمنحه رتبة التميّز والتألّق، في سبيل التاج والكرسي والسلطة؟ يا للعار.
 
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت / فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.


الياس الديري - "النهار" - 23 أيلول 2016

إرسال تعليق

 
Top