0
إذا كانت بكركي لا تريد الذهاب بعيداً في مواجهة مقاطعة جلسات انتخاب رئيس للجمهورية بمقاطعتهم لئلا تصبح طرفاً في السجال الدستوري الدائر حول حق النائب في التغيّب عن هذه الجلسات حتى من دون عذر مشروع، فإن بكركي التي عليها واجب المساعدة على إخراج لبنان من دائرة الخطر مطالبة بالقيام بمحاولة أخيرة وذلك بدعوة النواب المسيحيين والأقطاب أو الموارنة فقط للبحث في موضوعين مهمين: الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية أو ترك الحرية لتنتخب الأكثرية من تريد رئيساً، والاتفاق على قانون جديد للانتخاب يكون عادلاً ومتوازناً ومترجماً للمناصفة الفعلية لا الدفترية، وهي محاولة تقول فيها بكركي لمن لا يسمع صوتها: "اللهم إني بلَّغت".


في ما يتعلق بانتخاب رئيس للجمهورية، الاتفاق على مرشح قوي كما يفعل السنّة في إيصال رئيس للحكومة، وكما يفعل الشيعة في انتخاب رئيس للمجلس. فإذا لم يتفقوا فإن الذنب يكون ذنبهم وليس أي طرف آخر، وإلا الاتفاق على مرشح للرئاسة من خارج نادي الأقطاب، وإذا تعذّر ذلك أيضاً، الاتفاق على النزول الى المجلس لانتخاب المرشح الذي تريده الأكثرية النيابية المطلوبة. فإذا لم يتم التوصل الى اتفاق على أي حل من هذه الحلول، فإن بكركي تكون قد قامت بواجبها حيال الوطن وحمّلت هؤلاء النواب مسؤولية تعريض أعلى منصب للموارنة في الدولة لمصير مجهول، لا بل يكونون هم من أخلّوا بالميثاق الوطني وخالفوا الدستور. أما موضوع قانون جديد للانتخابات النيابية فإن الاتفاق عليه لا يقل أهمية عن الاتفاق على انتخاب رئيس للجمهورية. فهذا القانون اذا ما حقق المناصفة الفعلية بين المسيحيين والمسلمين، فإنه يكون قد ترجم "الميثاقية" ترجمة صحيحة وحقق الشراكة الوطنية الصحيحة. وعزّز العيش المشترك وحمى السلم الأهلي.
وقبل أن يتفق المسيحيون مع المسلمين على قانون جديد للانتخابات يكون عادلاً ومتوازناً، عليهم أن يتفقوا أولاً في ما بينهم ومن ثم يناقشونه مع المسلمين، وهو قانون اذا لم يتفقوا عليه فإنه يستحق عندئذ العمل على إقراره بكل الوسائل الديموقراطية المشروعة، في مجلس الوزراء وفي مجلس النواب وحتى في الشارع. أما أن يظلوا مختلفين على انتخاب رئيس للجمهورية وعلى قانون جديد للانتخاب ويلقون المسؤولية على سواهم وليس على أنفسهم، فإن الرأي العام الواعي سوف يحاسبهم ويحمّلهم وحدهم المسؤولية. فالمطلوب منهم أن يساعدوا أنفسهم كي يساعدهم الآخرون. فلو أن رئاسة المجلس ظلّت شاغرة بسبب الخلاف بين الشيعة، أفلا يكونون هم المسؤولين عن هذا الشغور، وكذلك الأمر بالنسبة الى السنّة في ما يتعلق برئاسة الحكومة.
 
قبل أشهر من رحيل الكبير العميد ريمون اده كان يكرر القول لكل من يتصل به: "إن لبنان الذي نعرفه انتهى". وقد صحّ ويا للأسف قوله هذا. فلا رئيس الجمهورية ينتخب وفقاً للدستور بل بانتهاكه بإرادة الأقوى، ولا الحكومة يتم تشكيلها وفقاً للنظام الديموقراطي الذي بموجبه تحكم الأكثرية والأقلية تعارض الى أن تصبح الأكثرية أقلية والأقلية أكثرية تأتي بها انتخابات حرة ونزيهة. ولما كانت بدعة "الديموقراطية التوافقية" التي تجمع الأكثرية والأقلية في حكومة واحدة تحل محل ديموقراطية الأكثرية فتصبح حكومات لا تجانس ولا انسجام بين أعضائها فيتعطل عملها بالمناكفات والمشاكسات لأن لا شيء يجمعهم سوى المقعد الوزاري والمصالح المتبادلة، وهذا ما جعل الرئيس تمام سلام يصفها بحكومة "مرّقلي تمرّقلك" ليصبح لبنان على رأس قائمة الدول الفاسدة.
 
الواقع أن ما جعل ديموقراطية الأكثرية تستبدل بالديموقراطية التوافقية هي الطائفية البغيضة التي قضت على التعددية داخل كل طائفة، بل داخل كل مذهب... هذه التعددية التي كانت موجودة في الماضي تسمح عند تشكيل الحكومات بأن يكون هذا الزعيم أو ذاك أو من يمثل هذا المذهب أو ذاك وزيراً، وقد بات هذا متعذراً اليوم بسبب فقدان التعددية داخل كل مذهب، ولا سيما في الطائفة الشيعية التي احتكر قرارها في كل شيء التحالف الثنائي بين "حزب الله" وحركة "أمل".
 
وهكذا صح قول العميد اده إن لبنان الذي نعرفه انتهى، ليس سياسياً فحسب بل أخلاقياً ووطنياً وقيماً، سواء عند انتخاب رئيس للجمهورية أو رئيس للمجلس أو عند تشكيل الحكومات. فهل من أمل بالرجوع الى لبنان الذي نعرفه لنقول "ما أحلى الرجوع إليه"؟


إميل خوري - "النهار" - 23 أيلول 2016

إرسال تعليق

 
Top