0
عندما انتهت ولاية الرئيس ميشال سليمان، تُوّجت الانتهاكات، واكتمل مشروع «إبادة» الدولة، بقطع رأسها. لا رئيس. وحتى لا مرؤوس: فراغ مطلق. جنون مطلق. فوضى مطلقة. فحزب الله هو في النهاية حزب «فوضوي» يسعى في مرحلة الفوضوية إلى إقامة دولة وهمية بلا شروط، وعلى أنقاض الدولة اللبنانية العميقة. وهكذا يكون أمينه العام هو «المرشد» البديل من الرئيس المسلّح، القوي، الفاتك، حامل الحقيقة، والمشروع، والطريق، ليلعب دوره الحقيقي كأداة داخلية، تتمدّد إلى العالم العربي، تنفيذاً لمخطط تخريب الأمة العربية، ومؤسساتها، وتاريخها، وتنمية الفتن المذهبية خصوصاً بين السنّة والشيعة. لبنان كله يجب أن يكون منطلقاً ومحطةً لانطلاق «كتائب» إيران في مهماتها الحربية على العرب: من سوريا، إلى اليمن، إلى العراق، إلى البحرين: أي جعل الدولة العربية على شاكلة لبنان: وهمية، خرافية، بديدة، محطمة، تمزقها حروب مذهبية، لتجعل منها دويلات أو ميني دويلات تتصارع وتتنازع بلا نهاية: فلا رئاسات، ولا شرعيات، ولا مرجعيات، ولا حكومات، ولا جمهوريات. لا شيء. كلبنان. كما آلت إليه سوريا والعراق. إذاً محاولة محو الإنجازات العربية الثقافية، والحضارية (حتى القديمة)، من التاريخ: فلا تنوير، ولا ديموقراطية، ولا نهضة، ولا عروبة، ولا ماضٍ ولا حاضرٍ. وها هو لبنان اليوم، ما زال مطعوناً في رأسه. وها هو عيد الاستقلال وكأن هذا الأخير لم يكن: لا في الواقع، ولا في اليوتوبيا، ولا في الحدود، ولا في الرموز، ولا في المؤسسات. 

كأنه عيد استقلال الحزب الإيراني عن الدولة، وإعلان كانتونه مصدراً للسلطات، وسلاحه منتجاً الحقائق التاريخية: ألغيت احتفالات الاستقلال لأن ليس هناك من يحتفل بها، ولا يحضرها، ولا حتى من يتذكّرها: كل ذلك، مرتبط، كما سبق أن قلنا، بنيات الحزب المعلنة مرات، بأن لبنان آخر مرسوماً هو قيد التحضير: من مؤتمر تأسيسي (تراجع عنه الحزب)، ومن استبدال الطائف (تراجع عنه)، إلى مشروع تسوية: انتخاب الرئيس يأتي في سلة واحدة، مع طبيعة الحكومة، والانتخابات النيابية، ودور الجيش، والمؤسسات الأمنية، وربما ثقافة الدولة كلها. ونظن أن هذا التراجع في خطى الحزب المتورط في سوريا (3000 قتيل كرمى لإيران) مرتبط بالهزائم التي تكبدها وإيران في سوريا واليمن والعراق والبحرين. انكسر «الهلال» المذهبي الصهيوني، وانكسرت أجنحته. وها هو يسعى إلى التعويض عن كل ذلك بإنشاء دولة أضعف من دويلته، بسلاحها، وقوتها، وشرعيتها. وكما كان يحدث مع المقاومة الفلسطينية كلما ارتفع صوت بالتساؤل عن دور سلاحها في الداخل، فالنغمة ذاتها ترتفع كلما دعت الحاجة: من شروط التسوية (أو من خلفياتها)، تعزيز الكانتون الحزبي ليوسّع «استقلاله» عن لبنان، ويقوي ارتهانه بإيران. أما استقلال لبنان، كمنظور ومشروع، فهو بالنسبة إلى الحزب، مجرد «حلم ليلة صيف»: أن تبقى ربما الرموز، ولكن يبقى منقوصاً ومشوّهاً، وناقصاً، ومنفياً. فالحزب يعرف أن استقلال لبنان الناجز بأرضه وشعبه وحدوده ومؤسساته نفي له، ونهاية لدوره، ولسلاحه، وقضائه، وقوانينه، ولحدوده المرسومة بالدم في آخر الكانتونات المذهبية في لبنان، وكذلك نهاية للوصاية الفارسية.

السؤال الأساسي الذي يمكن طرحه: كيف يمكن أن يقوم حوار تسوية حول بنية الدولة، إذا كان هناك فريق لا يعترف بها. وكيف يمكن أن تناقش طبيعة الحدود الرسمية للبنان، إذا كان هناك فريق يعتبر أن حدود لبنان تبدأ من «الجنوب» الإيراني إلى طهران الفارسية؟ كيف يمكن معالجة قانون انتخابات، إذا كان الحزب يعتبر نفسه القانون الأعلى في المناطق التي يسيطر عليها بقوة السلاح؟ كيف يمكن حلّ مشكلة الرئاسة، إذا كان الحزب لا يعترف إلا برئيس خارجي له هو مرشد ولاية الفقيه؟ أي سبيل للتفاهم على قرار الحرب والسلم، إذا كان الحزب يعتبر أن هذا القرار مُلكه وحده أي ملك الإمبراطورية الفارسية؟... بل أي مفهوم يمكن الاتفاق عليه حول معنى الاستقلال، إذا كان الحزب يعتبر أن الاستقلال هو نقيض وجوده.

جزء من مقال بول شاوول في جريدة المستقبل - 22 تشرين الثاني 2015

إرسال تعليق

 
Top