0
كتب بشارة خيرالله - قيل فيه الكثير لكنّ ما خفي أو على الأقل ما لم يُعلن بعد، هو أكثر من الكثير. حيث غصّت الساعات القليلة التي مرّت على الجريمة النكراء بشهادات الخصوم قبل الأصدقاء وغير المقرّبين قبل أهل البيت من العائلة الصغيرة إلى العائلة السياسية الأكبر. طبعاً مع عدم تطعيم المناسبة الحزينة ببعض الاستثناء من المواقف الحاقدة والبعض الآخر من الملتزمين حتى الساعة، صمت القبور.


فإذا كانت إسرائيل المتهّم الأول كما استنتج الفريق الممانع، فهذا يعني أن شطح يمثل في الوجدان اللبناني حالة مقاومة بخلاف كلّ ما قالت فيه الأبواق الأسدية سابقاً، وإذا كانت الحالة التكفيرية وفقاً لما تُروِّجه بعض الأقلام الموَجَّهة، وراء الجريمة البشعة التي أعادت عقارب الساعة إلى الوراء، فهنا الدليل القاطِع أن محمد شطح بما ومَن يُمثِّل، ليس حليفاً لـ"داعش" ولا هو عضواً في "جبهة النصرة" وأخواتها من المنظمات التكفيرية. فعلى قوى "الممانعة" أن تعتمد، "محمد شطح إسرائيلي داعشي أو هو عدو لإسرائيل والنصرة؟".


بالأمس، وبعد أن صار محمد شطح ورفاقه الشهداء، تحت التراب، قرأت ما صادف أن نشرته بعض المواقع الإلكترونية بمناسبة الذكرى الـ25 على رحيل نبراس لبنان فؤاد مالك، حيث سبق لهذا الراحل الكبير أن وجد من خلال أفكاره النيِّرة والطروح، حلاً للأزمة اللبنانية أو ما يشبه المسوَّدة المُبكِرة جداً لإعلان بعبدا، كتبها بخط يده على "ورقة خرطوش"، رأى فيها أن "لبنان دولة ومجتمع ومجموعة انتماءات دينية وثقافية. بقدر ما هو دولة بالفعل، يكون حراً سيداً مستقلاً، بمعنى هذه الصفات الثلاث المتعارف عليها دولياً. وهذا يعني أن لبنان غير تابع لأحد، ولا يصادق أحداً لقاء معاداة أحد، أو يعادي أحداً لقاء مصادقة أحد. وإذا قيل له: أُصادقك شرط أن تعادي غيري، يرفض هذا العرض." (انتهى).


وقبل أيام من استهدافه بطريقة عالية الاحترافية، يُقال إنه سبق للوزير محمد شطح أن وجّه رسالة لرئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشيخ حسن روحاني، لا تخلو خلاصة مضمونها من اقتباس لأفكار فؤاد مالك، شرح من خلالها حقيقة المعاناة اللبنانية الحديثة مع سلاح "حزب الله" ومسبباته والتداعيات الناتجة عن دخوله في معارك سوريا بعد أن لعبت المقاومة الدور الأساسي في تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، داعياً فيها الرئيس المنتخب حديثاً، إلى فعل ما يجب فعله بغية إنقاذ لبنان، إلى جانب مجموعة دولية وإقليمية مؤثرة في الوضع اللبناني من خلال إيجاد حلّ لتجاوزات "حزب الله" الذي يُشكِّل ذراعاً تنفيذية للحرس الثوري في لبنان ومصر وسوريا وغيرها من البلدان.


ومما لا شكّ فيه، أن الرسالة تلك، المكتوبة بخطّ الشهيد والموجَّهة باسم مجموعة من النواب، لامست عمق المشكلة، كونها تضع الأصبع على جرح التطور الحاصل في إيران. وكان قد سبق لكاتب هذه السطور، أن ساهم في مقال نشرته "المستقبل" بتاريخ 5/12/2013 تحت عنوان "ما بين الكبتاغون والبنتاغون"، على أثر اغتيال القيادي في "حزب الله" حسان اللقيس، في الإضاءة على خطورة صراع الأجنحة المستجد في إيران وتداعياته التي ستُترجَم عنفاً في لبنان.


واللافت أيضاً في الرسالة التي خطّها شطح بعناية "الجوهرجي"، أنها تضيء بشكل محترف على أضرار التدخل العسكري لـ"حزب الله" في الحرب السوريّة وما أنتجه هذا التدخل من احتقان مذهبي يجرّ الويلات على لبنان المطلوب تحييده عن تلك النار المشتعلة هناك، مطالباً باستكمال تنفيذ القرار الدولي 1701، ما يعني عملياً وجوب نشر قوات دولية على الحدود اللبنانية السوريّة تمنع أي تدفق لأي مقاتل أكان ذهاباً أم إياباً وسواء كان تكفيرياً سنيّاً أم تكفيريّاً شيعيّاً.



في المحصلة، يُستنتَج أن أي مطالبة رسمية بتحييد لبنان عن الحرب الدائرة في حديقته الخلفية باتت قاتِلة، ويُمكِن لأي مُراقِب بسيط أن يُلاحِظ مدى انزعاج فريق بشار الأسد في لبنان وإيران من أي محاولة تقي هذا اللبنان شرّ الحرب السوريّة. هنا أيضاً تعود أي ذاكرة متابِعة إلى الهجوم الشرس الذي تعرّض له "إعلان بعبدا" الرامي إلى تحييد لبنان من قبل هؤلاء... فإذا كان محمد شطح أحد شهداء فريق 14 آذار، فهو حتماً وأيضاً بالتحليل، أول شهداء "إعلان بعبدا".

كاتب وناشط سياسي - ناشر موقع ليبانون تايم






إرسال تعليق

 
Top