0
فيما العد العكسي لنهاية مهلة التزام الولادة السريعة للحكومة الجديدة يقترب من لحظاته الحرجة، شكل الاجتماع ‏التشاوري الثاني بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف مصطفى أديب امس منطلقا لاجتماع ثالث ‏سيعقد هذا الأسبوع، ويفترض ان تعرض فيه مسودة تركيبة الحكومة بتوزيع الحقائب والاسماء ما لم تطرأ عقبات ‏من شأنها عرقلة الولادة الموعودة. والواقع ان المعطيات المتوافرة حيال مسار التأليف تشير الى ان حجم الحكومة ‏التي يتمسك أديب بان تكون من 14 وزيرا وضع على طريق التسوية بينه وبين عون.
ولكن المسالة الأساسية ‏العالقة والأصعب تتمثل في مسألة المداورة التي تثير تباينات بين القوى التي ايدت تكليف أديب. وفي هذا السياق ‏يرفض الثنائي الشيعي ان تنطبق المداورة على وزارة المال التي يعدها خارج اطار الحقائب التي يمكن ان تخضع ‏للمداورة ويتمسك بها للطائفة الشيعية ولو انه لا يعارض إسنادها الى غير حزبي. ولكن الأجواء التي سربت عن ‏لقاء عون وأديب امس وصفته بانه كان إيجابيا وتم خلاله الدخول في التفاصيل وحصل تفاهم على نقاط عدة منها ‏مهمة الحكومة وطبيعة عملها ومبدأ المداورة الذي يحتاج الى تشاور مع الأطراف على ان يكون بت عدد الوزراء ‏في اللقاء المقبل.
وفيما توقعت مصادر عليمة ان تشكل الحكومة قبل انتهاء مهلة الأسبوعين التي حددها الرئيس ‏الفرنسي ايمانويل ماكرون فهم ان باريس تدفع في هذا الاتجاه وان تكون الحكومة مصغرة ولا تضم سياسيين بل ‏اختصاصيين. 
وأفادت معلومات ديبلوماسية ان الحدين اللذين تعمل عليهما باريس هما بين اعلان حكومة منتجة ‏وفاعلة تتولى ترجمة الإصلاحات الحقيقية وبين الذهاب الى عقوبات لن تكون فرنسية بل أوروبية موحدة باعتبار ‏ان فرنسا لا تقف وحدها في موقفها من لبنان بل يقف معها الاتحاد الأوروبي أيضا. اذ ان هذه العقوبات ستلحق ‏بالعقوبات الأميركية التي بدأت امس مؤشراتها بما يؤكد التنسيق الجدي بين العاصمتين الفرنسية والأميركية، وان ‏الرئيس الفرنسي حصل على ضوء اخضر كامل من الجانب الأميركي بالنسبة الى مقاربته الوضع في لبنان. 
وفي ‏هذه الأجواء اتخذ قرار وزارة الخزانة الأميركية امس بفرض عقوبات على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ‏ويوسف فنيانوس دلالات بارزة. فمع ان الاجراء كان متوقعا فان الخزانة الأميركية بررت العقوبات على ‏الوزيرين السابقين باتهامهما بدعم "حزب الله " والتورط في ملفات فساد. وتوعدت بان واشنطن "لن تتردد في ‏معاقبة أي فرد او كيان يدعم أنشطة "حزب الله" الإرهابية المحظورة".
الاندفاع الفرنسي
‎ وفي غضون ذلك اشارت معلومات ديبلوماسية الى ان المسؤولين اللبنانيّن، لاسيّما منهم رئيس الجمهورية ‏والرئيس المكلَّف، تبلغوا ان الاتصالات التي أجراها الرئيس ماكرون بالقيادة السعودية، ومستشاروه بالقيادة ‏الإيرانية، تركت في قصر الاليزيه انطباعا بان السعودية كانت متجاوبة مع جهود الرئيس الفرنسي وتمنّت النجاح ‏لدوره في دعم كل ما هو شرعي في لبنان، لكنها تتحاشى حاليًّا التورّط في التعقيدات اللبنانية. اما ايران فأبلغت ‏مستشاري ماكرون أنها لا تتدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية ولها الثقة بما يقرره "حزب الله"..‎ ‎
على هذا الأساس تولّى السفير الفرنسي في بيروت برونو فوشيه الاتصال بـ"حزب الله" الّذي تحفظ عن الإجابة ‏ريثما يطّلع على التشكيلة مكتملة، وشددّ على ضرورة التوفيق بين الخبرة والمعرفة السياسية. من جهة أخرى تبلغ ‏كل من ديفيد هيل وديفيد شنكر الخطوط العريضة للمشاورات الفرنسية وأكّدا دعم الوساطة الفرنسية‎.‎
‎ وإذ اعتبرت باريس مجمل الأجوبة إيجابية علم أن الثنائي إيمانويل بون وبرنار ايميه اللذين يتابعان هذه المهمة، ‏يُطلعان تباعا الرئيس ماكرون ووزير الخارجية ايف لو دريان على مسار عملية التأليف. ومع ان الجانب الفرنسي ‏ينفي التدخل في الأسماء، فان مصادر لبنانية مطلعة تقول أن فرنسا "جوجلت" حوالي 15 اسمًا للتوزير نصفها ‏تقريبًا يعمل في الخارج ويعمل هؤلاء الأشخاص في قطاعات المصارف والصناعة والاتصالات والمواصلات ‏والطاقة‎ .‎
‎ وعُلِم أن سبب تفضيل الإليزيه شخصيات من الخارج يعود أن الرئيس ماكرون وأعضاء الوفد الذي رافقه إلى ‏بيروت لمسوا وجود حساسيات كبيرة، بل خلافات، بين وجوه الثورة والمجتمع المدني ما قد ينعكس على نسبة ‏تأييد الحكومة الجديدة في الشارع. وذكرت المصادر أن الرئيس المكلّف، الحريص على الإتيان بوجوه جديدة، هو ‏في جو هذه الاتصالات المتقدمة وراض عنها، لكنه ليس متيقّنا بأن هذه الأسماء ستسلك في بيروت نظرًا لرغبة ‏الأطراف السياسية الرئيسية في اختيار بعض الأسماء القريبة منها‎.‎
‎ وكشفت المصادر بأن الطباخين اللبنانيين والفرنسيين يقبلون أن تبقى حقيبة المال مع شخصية شيعية مستقلة شرط ‏أن يسهّل الثنائي الشيعي اختيار الأسماء الأخرى. غير أن الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر يعتبرون أن بعض ‏المختارين هم أصحاب مصالح وبالتالي يفترض بباريس أن تضمن الفصل بين دورهم الوزاري ومصالحهم ‏الحالية. وفي هذا المجال، عُلِمَ أن أربعة شخصيات اعتذرت عن قبول المشاركة في مهمة قد لا تتعدى الشهور ‏القليلة وغير مضمونة النتائج‎.‎
‎ وإلى زيارته القصر الجمهوري واجتماعه بالرئيس عون، أجرى الرئيس المكلف اتصالا بالبطريرك بشارة ‏الراعي شكره فيه على موقفه الداعم لتأليف حكومة من دون شروط وشروط مضادة وبعيدًا عن المحاصصة ‏والزبائنية. وأكد له أن من الطبيعي أن تلتزم حكومته العتيدة النأي بالنفس عن الصراعات الخارجية وتحييد لبنان ‏حفاظا على سلامة البلاد‎.
 
النهار - 9 ايلول 2020

إرسال تعليق

 
Top