0
هل يخرج لبنان من غرفة العناية الفائقة التي يستلقي فيها صريعاً منذ انفجار الرابع من آب؟ هل يستفيق البلد من سباته القسري أسوة بالناجية كارمن صايغ التي عادت الى عائلتها بعد 3 أسابيع من الغيبوية، فيعود الى أحضاننا من براثن الموت السريري الحتمي الذي أدخلته فيه سلطة "الأمونيوم" الحالية فتسير الدماء مجدداً في شرايينه بتدخّل مبضع دولي؟
إنها بلا شكّ مرحلة حاسمة يطلّ عليها لبنان طليعة الأسبوع المقبل، وقد ترجمت أهميّتها القصوى بتكثيفٍ لافت للحراك الدولي وتصاعدٍ متزايد للضغط الممارس بلا هوادة على السلطة الحالية لإعادة لبنان الى مسارٍ مستقيم، فإما أن تسير بالبلاد نحو برّ الأمان بتجاوبها مع نصائح أبرز القوى الدولية التي هبّت لنجدته من الانزلاق نحو مصير قاتمٍ، وإما أن تمضي بالبلاد بمكابرةٍ فجة وقلّة دراية صارخة نحو السقوط المدوّي.
ليست السلطة إذاً أمام خياراتٍ رمادية، فقد قالتها الرئاسة الفرنسية امس بصراحة مطلقة، بأن "الوقت حان لتنحّي الأحزاب السياسية اللبنانية جانباً موقّتاً وضمان تشكيل حكومة تعمل على التغيير، وبأن فرنسا تتوقع من "حزب الله" تجنب أي عمل يشبه حرب 2006?، مع التأكيد على ضرورة تسمية الحريري لمرشحه لرئاسة الحكومة، أي أنّ أيّ رئيس حكومة مقبل ينبغي أن يحظى على تأييد الشارع السنيّ واصطفافه حوله. 
وماكرون، الذي يزور البلاد للمرة الثانية بعد الانفجار في الأول من أيلول المقبل، مصرّ على استكمال الضغط على السلطة الحالية لتطبيق وعود الاصلاحات العاجلة التي قطعتها أمامه لدى زيارته الأخيرة، وهذه وفق الاوساط الرئاسية الفرنسية "آخر خرطوشة" تستخدمها الأم الحنون، لإنقاذ بلد الأرز سياسياً مع توجيه السهام نحو السلطة نفسها بتحميلها مسؤولية تخبط البلاد اقتصادياً، عبر تأكيدٍ فرنسيّ بأنّ عرقلة مفاوضات لبنان مع صندوق النقد الدولي لم تكن لأسبابٍ تقنية بل سياسية مع التحذير من عدم وجود "متطوعين" كثر لمساعدة لبنان. وتتقاطع الجهود الفرنسية مع المساعي الأميركية بزيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد شينكر الى لبنان في الثاني من أيلول، ليلتقي ممثلي المجتمع المدني ويحضّ المسؤولين على بدء الإصلاحات والاستجابة لرغبات الشعب في الشفافية والمساءلة، والدعوة لتشكيل حكومة خالية من الفساد تلبّي مطالب اللبنانيين، والتصريح الذي أدلى به السفير البريطاني في لبنان كريس رمبلينغ بضرورة تشكيل حكومة تتمتع بصدقية وتحصل على ثقة اللبنانيين وتحترم مبدأ "النأي بالنفس".
أما في ملف التكليف، ورغم تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة الاثنين المقبل، يبدو ألا وضوح حالياً حول الشخصية السنية التي ستفوز بمهمة التكليف، مع سحب الرئيس تمام سلام اسمه من التداول كلياً لأن "من جرّب المجرّب عقله مخرّب"، ومع غياب الدعم الشيعي لنواف سلام الأمر الذي يجعل توليه لرئاسة الحكومة مسألةً متعثرة. 
ولم يرشح كذلك أي اسم عن اجتماع رؤساء الحكومات السابقين الذي سيبقى مفتوحاً، وقد علمت "نداء الوطن" أنّ الرئيس فؤاد السنيورة أراد الردّ بترشيح نواف سلام على لعبة "إلاحراج" التي مارسها الرئيس ميشال عون بتعيين يوم الاستشارات مع وصول الرئيس الفرنسي، إلا أن الرئيس سعد الحريري لم يجاره في ذلك. 
ورغم إعلان الحريري عزوفه عن قبول التكليف، إلا أنّ مساعي الثنائي الشيعي المحلية و"الدولية" لم تهدأ لإقناعه بتبديل رأيه مع تقديم إغراءاتٍ كبيرة له أحدها تمثل بعرض "وزارة المال" عليه والذهاب الى حدّ ضمان عدم مشاركة "واضحة" لـ"حزب الله" في الحكومة المقبلة. اسم الحريري لم يسحب إذاً من التداول خصوصاً مع تمسّك الرئيس نبيه برّي به ومع وجود تململٍ شيعي واضح من المأزق الحالي، وصل الى حدّ ممانعة علي حسن خليل أول من أمس لقاء جبران باسيل.
السلطة إذاً في مأزق أكيد، فإما أن تنصاع للضغط الدولي المسهّل للتكليف فتقدّم تنازلاً على مستوى ترسيم الحدود أو إقفال المعابر غير الشرعية، أو عدم التدخل بتشكيل الحكومة وزراء وحقائب مثلاً، وإما أن "ترتكب" مرشحاً يكون نسخة "منقحة" عن حسان دياب، علماً أن سيناريو مشابهاً يعرّي الحكومة عربياً ودولياً ويجعلها عاجزة عن مواجهة الأزمة المالية العاصفة والنهوض بالبلد من كبوته الخانقة.

نداء الوطن - 29 اب 2020

إرسال تعليق

 
Top