0
الاستحقاق الحكومي في دوامة أين منها تلك التي سبقت تكليف حسان دياب تأليف حكومة ‏تصريف الاعمال الحالية، بل ان الدوافع التي تغلف مخاض الاستحقاق الراهن والتي تضغط ‏بقوة استثنائية لاستعجال التكليف والتأليف، تبدو كأنها حوصرت بمناورات وتعقيدات مثيرة ‏للريبة تقف وراءها في المقام الأول قوى سلطوية معروفة كما تؤازرها ضمنا تعقيدات من ‏قوى المعارضة بل "المعارضات".
واذا كان الأسبوع الحالي سيشكل محكاً حاسماً نهائياً ‏للدفع نحو تحريك الاستحقاق اقله في تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية ‏رئيس الحكومة المكلف تأليف الحكومة الجديدة قبل الموعد المبدئي للزيارة الثانية بعد ‏انفجار الرابع من آب في مرفأ بيروت التي سيقوم بها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون ‏لبيروت، فلم يعد سرا ان هذه الزيارة قد تكون أصبحت مهددة فعلا وجديا اذا مضت الأيام ‏القليلة المقبلة على وتيرة دوامة المماطلة والعرقلة والمناورات والتعقيدات التي تطبع ‏الاستحقاق الحكومي منذ استقالة حكومة حسان دياب.
ولم يكن ينقص المشهد المأزوم ‏والآخذ في اثارة المخاوف من افتعالات يراد منها الزج بالاستحقاق الحكومي في لعبة ‏استرهان الكارثة اللبنانية في التجاذبات الإقليمية والدولية، سوى ان يطل هاجس التفلت ‏الأمني برأسه من جديد من خلال الجريمة الثلاثية المروعة التي حصلت في كفتون التي ‏ذهب ضحيتها ثلاثة شبان من البلدة، وبدأت التحقيقات تشير الى القتلة من أصحاب ‏السوابق الإرهابية بما يضيء على تحد خطير جديد يواكب الاخطار الأخرى التي تضج بها ‏البلاد. ولم يكن غريبا والحال هذه ان يسجل البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة ‏بطرس الراعي أمس موقفا جديدا بارزا فتح عبره ملف مخازن الأسلحة والمتفجرات في كل ‏البلاد. هذا الموقف اتخذ بعدا مهما للغاية اذ اثاره البطريرك على خلفية انتقاداته الحادة ‏‏"لبعض المسؤولين في الدولة لتعاطيهم مع كارثة الانفجار في مرفأ بيروت من زاوية ‏سياسية ويحولون دون تحقيق دولي". كما انتقد مقاربة المعنيين بتأليف حكومة جديدة من ‏منظار انتخابي ومصلحي متخوفا من التسويف في تأليف الحكومة. ودعا الراعي السلطة ‏الى "اعتبار كارثة المرفأ بمثابة جرس انذار فتبادر الى دهم كل مخابئ السلاح والمتفجرات ‏ومخازنه المنتشرة من غير وجه شرعي في المدن والبلدات والقرى".. ‎ ‎
والحال ان الاستحقاق الحكومي بدا في غيبوبة سياسية شاملة وسط الجمود الذي طبع ‏الحركة والاتصالات السياسية في الأيام الأخيرة بما يعكس الخطورة التصاعدية للتمادي في ‏تحديد مواعيد الاستشارات والتلاعب مجددا بهذا العامل وإخضاع الاستشارات لشروط ‏ضمنية بمعزل عن البعد الدستوري الذي يخشى ان يغدو امتهانه وسيلة اشعال للحساسيات ‏الطائفية والمذهبية بما يخدم الدافعين نحو تعطيل الاستحقاق الحكومي وقد بات بعض ‏الافرقاء يلهجون علنا بالدفع نحو تعطيله حتى تشرين الثاني المقبل موعد الانتخابات ‏الرئاسية الأميركية. 
وعلمت "النهار" من مصادر معنية بالإتصالات والمشاورات المتصلة ‏بالاستحقاق الحكومي ان كل الاتصالات كانت مجمدة في الأيام الأخيرة وتحديدا عقب ابلاغ ‏الوزير السابق جبران باسيل حليفيه في الثنائي الشيعي رفض العهد و"التيار الوطني الحر" ‏إعادة تكليف الرئيس سعد الحريري تأليف الحكومة الجديدة. كما ان الصورة الدولية لم ‏تتبلور بعد حيال الاتجاهات الحكومية التفصيلية تكليفا وتأليفاً التي ستؤيدها الدول المعنية ‏بدعم لبنان ولو ان كل الدول تردد موقفا واحدا هو اشتراط الإصلاحات لدعم أي حكومة ‏ولكن لا موقف موحدا بعد حيال طبيعة الحكومة. 
وكشفت المصادر نفسها لـ"النهار" ان ‏الجانب الفرنسي وحده بقي متحركا في اتجاه الواقع الداخلي اذ سجلت اتصالات من الجانب ‏الفرنسي في اليومين الأخيرين مع عدد من القوى الداخلية ولو انها لم تؤد الى نتائج في ‏تبديل صورة الجمود. ولوحظ ان رئيس مجلس النواب نبيه بري اعترف امس بتعليق مساعيه ‏في انتظار الآخرين اذ قال ردا على سؤال عن صحة إيقافه لمحركاته العاملة على تشكيل ‏الحكومة الجديدة فقال "انا بذلت كل ما في وسعي بما يخص موضوع تشكيل الحكومة لكن ‏تبين ان يدا واحدة تصفق (بضم الفاء) ولا تصفق وانا انتظر الآن ما سيفعله غيري في هذا ‏الشأن"..
‎ المهلة الحاسمة
‎ وأشارت أوساط مطلعة على تعقيدات الاستحقاق الحكومي الى ان الأسبوع الحالي يفترض ‏ان يشهد بلورة الاتجاهات الواضحة لمجموعة لاعبين أساسيين قبل ان يتفاقم المأزق ‏وينزلق الوضع برمته الى متاهات شديدة الخطورة ماليا واقتصاديا في المقام الأول لان ‏البلاد تعاني تراكمات منذ انفجار بيروت تحتاج الى جرعات تنفس عاجلة وهو ما تعيه الدول ‏التي تبادر الى ارسال مساعداتها العاجلة والإغاثية للبنان فيما يتمهل الطاقم السياسي ‏ويتباطأ الحكم ويناور الكثيرون كما لو ان البلاد في وضع طبيعي. كما ان التحدي الأكثر ‏الحاحا في الضغط لاستعجال التكليف والتأليف يتمثل في الاتساع المخيف للانتشار الوبائي ‏لفيروس كورونا في لبنان الذي لم يعد لديه الا القليل من الوقت لاستدراك سقوطه في ‏السيناريو الكارثي الذي مرت به دول أوروبية وسواها. 
واذا كانت الضجة بدأت تتصاعد من ‏مواقع سياسية وحزبية حيال التمادي في عدم تحديد مواعيد الاستشارات النيابية الملزمة ‏للتكليف فان الجانب الاخر من التعقيدات يتصل بمواقف بعض القوى السياسية التي ‏تتقاطع عند نقطة التحفظ او الرفض لترؤس الرئيس سعد الحريري للحكومة الجديدة. 
وإذ ‏برز تقاطع ضمني لافت على التحفظ او الرفض لعودة الحريري على راس الحكومة بين كل ‏من "التيار الوطني الحر" والحزب التقدمي الاشتراكي و"القوات اللبنانية " تفيد المعطيات ‏المتوافرة في هذا السياق الى ان الحريري الذي قد لا يبقى صامتا لوقت طويل وربما ‏يفصح عن موقف بارز له هذا الاسبوع، لا يزال رغم التناقضات القائمة حيال عودته المرشح ‏الوحيد حتى الآن. وهو ابلغ وفق هذه المعلومات الرئيس بري انه لن يسير الا ببرنامجه ‏الحكومي ولن يقبل بشروط مسبقة من احد كما لن يدعم ترشيح احد. الا ان بري لم يتوصل ‏في اتصالاته مع الوزير السابق جبران باسيل الى بت هذا الامر وربما تعقد جلسة مشاورات ‏جديدة اليوم بين بري وباسيل والخليلين لاستكمال البحث وحسم الموقف‎.‎
‎ وفيما يسود انطباع واسع عن رفض "القوات اللبنانية" ترشيح الحريري خصوصا بعد اعلان ‏نائبها بيار بو عاصي ان "الحريري لم يعد المنقذ" نفت مصادرها امس ان يكون لرئيس حزب ‏‏"القوات" موقف شخصي من ترشيح الحريري لافتة الى ان جعجع والحريري التقيا في قصر ‏الصنوبر لنصف ساعة كما تواصلا ثلاث مرات عند البحث سابقا في موضوع الاستقالة من ‏مجلس النواب. وقالت ان ليس للقوات مرشحا بل تشترط تعهدا مسبقا بانتخابات نيابية ‏مبكرة وبإصلاحات تبدأ بالكهرباء وتصل الى المعابر غير الشرعية والا فانها غير معنية ‏بتكليف وتأليف حكومة مكبلة بشروط "حزب الله" و"التيار الوطني الحر". كما ان الموقف ‏الاشتراكي يبدو متناغما مع الموقف القواتي‎.‎
‎ المساعدات الإيطالية ‎
في غضون ذلك تتواصل المساعدات الخارجية للبنان للأسبوع الثالث بعد انفجار مرفأ ‏بيروت وكان أضخمها وأبرزها في الساعات الأخيرة بدء تدفق المساعدات الإيطالية عبر ‏سفينة تابعة للجيش الإيطالي تحمل مستشفى ميداني جرى تركيبه في الحدث ومساعدات ‏هندسية كبيرة كما تصل سفينة أخرى تحمل تجهيزات طبية سيخصص ابرزها لمستشفى ‏القديس جاورجيوس في الأشرفية الذي تضرر على نطاق واسع. 
وسيقوم وزير الدفاع ‏الإيطالي لورينزو غويريني اليوم بجولة على المسؤولين كما يتفقد المستشفى الميداني ‏الإيطالي ويزور السفينة "سان دجوستو" الراسية في مرفأ بيروت. كذلك يصل الى بيروت ‏الأربعاء المقبل وزير الخارجية الكندي‎.
 
النهار - 24 أب 2020

إرسال تعليق

 
Top