0
من نداء بكركي الذي أطلقه المثلث الرحمة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير، والذي أدى إلى الاستقلال الثاني، إلى العظة الأخيرة للبطريرك مار بشارة بطرس الراعي... يُطرح السؤال الكبير: هل نحن أمام "قرنة شهوان" ثانية، أم أن ثمة ما يشي بتحولات مرتقبة؟ وذلك على ضوء صرخة الديمان التي تلاقت مع عظة نارية أخرى للمطران الياس عوده، وما بينهما من مواقف سُجلت في الأيام الأخيرة تنبئ بضغوط سياسية وروحية على العهد والحكومة ليبدّلا المسار، وإلا هناك تصعيد تدريجي وصولاً إلى قرار كبير آتٍ لا محالة بعدما شارف البلد السقوط، وباتت الضربة القاضية قريبة جداً. وعلى هذا الأساس كانت العظتان اللتان هزّتا بعبدا والسرايا.
فقبل بضعة أيام، أشارت "النهار" إلى أنّ البطريرك الراعي مستاء وسيطالب بمؤتمر داخلي ودولي لإنقاذ لبنان، وستكون له مواقف مغايرة للسابق بعدما بات لبنان بلداً فقيراً وشعبه يجوع، وهذا ما كشفه في لقاءاته الأخيرة في الديمان، خصوصاً لقاءه المهم مع الرئيس ميشال سليمان الذي حرّك المياه الراكدة من خلال مداخلته المميزة على طاولة حوار بعبدا، فقلبها وأعاد التذكير بأنّ هناك استراتيجية دفاعية نائمة نومة أهل الكهف، و"إعلان بعبدا" الذي بات من مخلفات الماضي. وعلى هذه الخلفية كانت للرئيس سليمان سلسلة تحركات ولقاءات، وبالتالي وضع البطريرك الراعي في أجواء مداخلته وما يمكن القيام به لإنقاذ البلد. هذا ما تشير إليه أوساط سياسية متابعة لهذا المسار، إذ تكشف أنّ الاتصالات بين بكركي والفاتيكان مفتوحة، وان دوائر الكرسي الرسولي تتابع أولاً بأول وضع لبنان والقلق على أبنائه وما يحيط بهم من مآسٍ اجتماعية واقتصادية ومالية.
وتضيف المصادر أنّ الظروف التي تلف البلد بالأزمات، دفعت البطريرك الراعي إلى إعلان صرخته المدوية بعدما زار بعبدا مراراً وحذّر في عظاته من جوع الناس وما يمكن أن يقوموا به إذا بقيت الحال من دون معالجات ناجعة وسريعة، وبلغ به الاستياء من الأداء الحكومي وغياب الخطط الاقتصادية والاجتماعية وانهيار المؤسسات التربوية والصحية حد إطلاق النداء الصارخ الذي تماهى مع صرخة البطريرك صفير في العام 2000. ولكنّ اللافت أنّ عظة الراعي لم تقتصر على الهم الاقتصادي والمعيشي فقط، بل طالبت بحياد لبنان، غامزاً بوضوح من قناة "حزب الله"، بمعنى أنّ سلاح الأخير وقرار الحرب الذي يمتلكه كان له ولا يزال التأثير الأبرز في ما وصلت إليه الأوضاع الاقتصادية والمالية والمعيشية وتردي علاقات لبنان بأشقائه وأصدقائه وإحجامهم عن دعمه، لا بل إنّ الدول المانحة وعلى ضوء سياسة "حزب الله" تتريث وقد تمتنع عن تقديم أي دعم للبلد. لذا فإنّ سيد بكركي الذي يدرك لب المشكلة لم يعد باستطاعته السكوت خصوصاً بعد أحداث لاسا وسواها ووصول الأمور إلى حائط مسدود، وبعد الأنباء والمعلومات التي تصله من أبناء رعيته في كل المناطق، حيث تُنقل إليه الظروف المأسوية التي يرزح تحت عبئها هؤلاء، وهذا ما يسري على كل اللبنانيين. وفي الحصيلة هو يدرك أنّه لا يمكن من خلال "العدّة المحلية" اجتراح المعجزات أو إصلاح الخلل الكبير، وعلى هذه الخلفية طالب الأمم المتحدة بالتدخل، من دون إغفال أنّ ثمة اتصالات بالغة الأهمية تجري بعيداً من الأضواء مع الفاتيكان التي تقوم بدورها مع المجتمع الدولي من أجل الوصول إلى صيغة تُنقذ لبنان مما يتخبط به. وبناءً عليه لا يُستبعد أن يأتي موفد فاتيكاني إلى بيروت لهذه الغاية.
ويبقى أنّ الأمر الذي يُعدّ الأبرز في عظة البطريرك الراعي، ليس توجّهه إلى الأمم المتحدة ودعوته إلى حياد لبنان فحسب، وإنّما أيضاً تناوله الحكم والحكومة، وهذه العناوين "المبكّلة" أربكت بعبدا وتيارها البرتقالي، وهذا الموقف للكاردينال الراعي تماهى وتناغم مع الكثير من المواقف التي صدرت عن أحزاب "القوات اللبنانية" والوطنيين الأحرار والكتائب والكتلة الوطنية وشخصيات مستقلة، حتى أنّ النائب السابق فارس سعيد دعا الراعي إلى عدم زيارة بعبدا، كونه يقرأ جيداً صلابة عظة الراعي وخلفياتها وصداها في بعبدا وحارة حريك، ما يؤشر إلى أنّ التغطية المارونية لرئيس الجمهورية بدأت تتلاشى، لا بل لم تعد قائمة سوى من تياره المدعوم من "حزب الله" الذي تناوله سيد بكركي بلاءات تحمل الكثير من الدلالات في الظروف السياسية والاقتصادية الراهنة وعلى المستويين الداخلي والإقليمي.

وجدي العريضي - النهار - 7 تموز 2020

إرسال تعليق

 
Top