0
مرة أخرى قد لا تكون الاخيرة، تحاصر جهود الرئيس المكلف حسان دياب في اللحظة الحاسمة لاستيلاد حكومته العتيدة بما يثبت ان "الحاضنة السياسية" لهذه الحكومة تخضع الولادة الموعودة للحسابات المتقلبة داخلياً واقليمياً، الامر الذي يبقي البلاد تحت وطأة التفرد السياسي لافرقاء الاكثرية التي رجحت كفة تكليف دياب ولم تتمكن بعد من بلورة الاطار النهائي للحكومة المتأرجحة بين خيارات متناقضة، فيما البلاد ترزح تحت اسوأ ظروف اقتصادية ومالية واجتماعية.
واذا كانت "بشرى" التقدم المزعوم الذي سربت المعلومات عنه أول من أمس عقب اجتماع بعبدا بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف أوحت بان الاسبوع الجاري سيشهد النهاية السعيدة لحكومة دياب، فان الصدمة الجديدة جاءت أمس في تبدل مناخ المعايير الاساسية للتركيبة الحكومية كلاً بحيث هبت رياح هذا الاتجاه من عين التينة تحديداً على لسان رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي أعاد الاعتبار الى ما وصفه بالحاجة الى "حكومة لمّ شمل جامعة" بما يوحي باعادة تعويم مبدأ حكومة الوفاق الوطني أو في أقل الاحوال حكومة سياسية مطعمة بتكنوقراط. وهو تطور اتخذ أبعاداً بارزة ربطا بالظروف الاقليمية التي تحوط لبنان من جهة والاخطار الاقتصادية والمالية المتفاقمة داخلياً من جهة اخرى. فهل يعني ذلك ان الرئيس المكلف صار محاصراً بواقع جديد سيدفعه الى خيارات حاسمة جديدة، أم تراه سيراهن على نفاد الخيارات لدى الاكثرية التي رجحت كفة تكليفه والتي صارت في مواجهة مخيفة مع تبعة التأخير المتمادي في تأليف الحكومة فيما تنزلق البلاد تباعاً نحو اخطار الانهيارات؟
وفي المعلومات المستقاة من المصادر المطلعة على مجريات مخاض التأليف في اليومين الاخيرين، ان الاتفاق على حكومة التكنوقراط المؤلفة من 18 وزيراً كان قد انجز تقريبا ولم تعد هذه الصيغة في حاجة الى اكثر من ملء آخر الفراغات بالاسم المناسب. فآخر المعطيات التي اعقبت لقاء الرئيسين عون ودياب قبل يومين اكدت حسم آخر الحقائب والاسماء العالقة ولم يبق الا اسم الوزير الذي سيتولى وزارة الطاقة بعدما آلت الى ارثوذكسي بفعل حلول الوزير السابق دميانوس قطار في الاقتصاد التي كانت من حصة الارثوذكس.
وأوضحت المصادر انه من أجل الاتفاق على حقيبة الطاقة وإسقاط آخر الاسماء على آخر الحقائب، اوفد الرئيس المكلف صديقه شادي مسعد للقاء رئيس "التيار الوطني الحر" الوزير جبران باسيل والتشاور في الاسماء الثلاثة المطروحة للطاقة، بعدما حسمت الحقائب السيادية على الشكل الاتي: الخارجية للسفير السابق ناصيف حتي، الدفاع للواء ميشال منسى مع نيابة رئاسة الوزراء، الداخلية للعميد طلال اللادقي، والمال لغازي وزني، حتى ان حقيبة العدل بتت لماري كلود نجم.
وكادت هذه المسودة الحكومية ان تنجز ولم يكن ينقصها سوى تسليم فريق الثنائي الشيعي الاسمين المتبقيين بعدما أبلغا شفهياً مرشحيهما الاخرين على ان يثبتاهما بلائحة خطية نهائية انتظرها الرئيس المكلف لكنها لَم تأت. حتى ان تيار "المردة" الذي قدم لائحة مرشحيه، اختير له في وزارة الاشغال المهندسة لميا يمين الدويهي. وثبتت الحقيبة الدرزية لرمزي مشرفيه، كما ثبتت حقيبتا الاعلام والثقافة لمرشحة حزب الطاشناق.
تبدل المعطيات!
وكشفت المصادر المطلعة ان المعطيات تبدلت فجأة عقب الموقف الذي اعلنه الرئيس نبيه بري بدعوته الى "حكومة لم شمل جامعة"، مع تسريب معلومات مؤكدة من مصادر معنية بالتأليف عن توجه جديد الى استبعاد كل الوجوه الوزارية السابقة والإتيان بوجوه وزارية جديدة، مما يعني تجاوز التفاهم الذي اعقب لقاء عون ودياب بتوزير دميانوس قطار في الاقتصاد بدلاً من الخارجية نزولاً عند رغبة الرئيس المكلف في توزيره. وفي المعلومات ان الرئيس المكلف تريّث في الإجابة عن الطرح الجديد.
ولم تقف المسألة عند هذه العقبة المستجدة، بل ترافقت ايضاً مع توجه جديد بدأ الكلام فيه رسمياً بين قوى التكليف والتأليف عن ضرورة توسيع الحكومة الى 24 وزيراً لتوسيع التمثيل فيها. وجاء طرح صيغة الـ24 وزيرا عقب دعوة رئيس مجلس النواب الى حكومة لم الشمل، وان اختلفت آراء القوى المعنية حول طبيعة هذه الحكومة.
ولفتت المصادر الى ان رئيس الجمهورية كان يرى من البداية تشكيل حكومة تكنوسياسية وانه استجاب لمطلب الرئيس المكلف حكومة التكنوقراط، وربما وجد في موقف الرئيس بري مناسبة للعودة الى الحكومة التكنوسياسية اذا وافق كل الاطراف على المشاركة فيها ولو بوزارء تكنوقراط. أما الرئيس نبيه بري، فلا يراها الا حكومة وحدة وطنية، أي حكومة سياسية. والرئيس المكلف والوزير جبران باسيل يريانها حكومة تكنوقراط، و"حزب الله" لا يمانع بهذه الصيغة، مما يحيّدها عن اي مواجهة سياسية مع الشارع كما مع الخارج.
هذه التطورات اعادت خلط اوراق التأليف، ولا شك في أنها رحّلت ولادة الحكومة، بعدما كانت متوقعة قبل نهاية هذا الاسبوع.
الا ان مصادر الرئيس المكلف سارعت الى نفي المعلومات المسربة من مصادر معنية بالتأليف عن استبعاد كل الوجوه الوزارية السابقة بمن فيها قطار عن التوزير. وأكدت عدم حصول اَي تعديل في التشكيلة الحكومية التي قدمها الى رئيس الجمهورية في لقائهما الاخير بما فيها الاتفاق خصوصاً على دميانوس قطار وزيراً.
واشارت المصادر الى ان الرئيس المكلف هو الذي يشكل الحكومة وهو اجرى مشاورات كاملة لم تبلغ نقطة الصفر يوماً.
تصريف الاعمال
وكان الرئيس بري رأى أمس إنّ "المفروض بحكومة تصريف الاعمال ممارسة صلاحياتها كاملة متكاملة ولكن هذا الشيء لم يحصل رغم خطورة الظروف التي يمر بها الوطن".
وقال خلال لقاء الاربعاء النيابي إنّه سيحدد جلسة للموازنة قبل نهاية الشهر، كما عرض مقاربته للملف الحكومي وموقفه الاساسي منها، مؤكداً "ان اللبنانيين وفي ظل الوقائع المالية والاقتصادية، لم يعودوا يأبهون بهذا الكم من الثرثرات السياسية بل همهم حكومة تطمئن الناس وتبدد الهواجس المشروعة بعيدًا من منطق الانانيات".
وأضاف "أن المرحلة تستدعي حكومة لمّ شمل وطني جامعة وفق رؤية تتصدى للهواجس انطلاقا من تقديم مصلحة لبنان".
وأفادت معلومات ان بري اتصل بالرئيس سعد الحريري ودعاه الى حضور الجلسة التشريعية التي ستقر الموازنة قبل نهاية الشهر الجاري.
وبرز أمس موقف للمنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش من الوضع الحكومي، فقال في تغريدة عبر حسابه على "تويتر"، إن "إبقاء لبنان من دون حكومة تتسم بالكفاية والصدقية، عمل غير مسؤول في ضوء التطورات في البلد والمنطقة". وحضّ الزعماء على "التحرك من دون مزيد من التأخير".

النهار - 9-1-2020

إرسال تعليق

 
Top