0
يصح وصف جلسة مجلس النواب أمس التي أقرت مشروع موازنة سنة 2020 بانها جلسة السوابق والارقام ‏القياسية في التناقضات السياسية والانتهاكات الدستورية شكلا ومضمونا بما يصعب معه التكهن بمدى الاضرار ‏والتداعيات السلبية الاضافية التي ترتبها على الحكومة الجديدة، خصوصاً أنها تتهيأ للمثول مجدداً أمام المجلس في ‏جلسة الثقة بعد انجاز البيان الوزاري. واذا كانت مروحة الاضرار الفادحة التي تجمعت من الجلسة تطاول الطبقة ‏السياسية والنيابية ولا سيما منها "الطبقة الحاكمة" التي تلاعبت بتهور وخفة بالحكومة التي جاء بها تحالف العهد ‏وقوى 8 آذار، فان ذلك يثير تساؤلات كثيفة عن المناخ الذي ستواجه به الحكومة الرأي العام الداخلي والخارجي ‏لدى مساءلتها في جلسات مناقشة البيان الوزاري عن موازنة انصاعت للضغوط التي مارسها عليها الحلفاء ‏والمعارضون لجعلها تتبناها فيما هي لم تضعها ولم يكن لها رأي فيها، كما ان بعض او معظم مضامينها وبنودها ‏صار في حاجة الى تعديلات لانها وضعت قبل الزلزال الاقتصادي والمالي والاجتماعي الذي يضرب لبنان منذ ‏‏17 تشرين الاول 2019‏‎.‎
‎ والواقع ان جلسة اقرار الموازنة اتسمت بمجموعة مفارقات مذهلة نادراً ما شهدت مثلها أي جلسات سابقة وفي ‏اسوأ الحقب والظروف التي تناوبت على لبنان. فمن الناحية الدستورية و"النظامية" طاردت الشكوك والطعون ‏المعنوية والسياسية والقانونية الجلسة حتى اللحظة الاخيرة لانعقادها وتأمين النصاب القانوني لها نظراً الى انها ‏المرة الاولى يسلّط اجتهاد بل عرف مستحدث بتشريع انعقاد جلسة اقرار الموازنة بمشاركة مجتزأة لحكومة ‏جديدة لم تنل الثقة النيابية بعد، كما ان هذه السابقة تمددت الى مفارقة غريبة أخرى تمثلت في تبني رئيس الوزراء ‏حسان دياب الموازنة التي وضعتها الحكومة السابقة. واتخذت المفارقتان بعداً دراماتيكياً حقيقياً لدى بروز الرئيس ‏دياب وحيداً في المنصة المخصصة لرئيس الوزراء والوزراء وكأنه أريد لهذه الصورة ان ترمز الى الاجتهاد ‏الدستوري الذي سوغ حضور حكومة جديدة جلسة اقرار الموازنة الموروثة باعتبار ان الحكومة الجديدة تلتزم ‏اطار تصريف الاعمال الى حين نيلها الثقة. لكن هذا الاجتهاد، ولو أخذت به اكثرية نيابية مررت في النهاية اقرار ‏الموازنة، لم يحجب الجانب الاشد اثارة للانتقادات والضجيج المتصاعد سواء من المتظاهرين والمعتصمين ‏المشتبكين في مواجهات تتصاعد وتيرتها في شكل مقلق مع القوى الامنية والعسكرية بل أيضاً الرأي العام ‏الديبلوماسي والاعلامي الخارجي، وهو تهريب الجلسة واعتماد السرعة القياسية لفرض الموازنة كما فرضت ‏الحكومة نفسها لدى تأليفها كأمر واقع قسري تعتمد في تبريره وتسويغه ذرائع اقل ما توصف به بانها أقرب الى ‏المهازل السياسية‎.‎
‎ وما حصل أمس في اختصار جلسة مناقشة الموازنة والتصويت عليها في فترة قياسية لن تتجاوز الساعات الاربع ‏شكل أيضاً سابقة بعدما كانت الدعوة الى الجلسة لحظت استمرارها يومين في جلسات نهارية ومسائية، ثم خفض ‏عدد طالبي الكلام من أكثر من 25 نائباً الى ستة نواب وحصل التصويت على البنود بسرعة قياسية ليرسو بر ‏الموزانة على اكثرية 49 نائباص وهي اكثرية هزيلة بطبيعة الحال فيما أقترع ضدها 13 نائباً وامتنع ثمانية عن ‏التصويت وقاطع الجلسة نواب "القوات اللبنانية" والكتائب.
المستقبل‎ 
وعلى وقع مواجهات قاسية أمام مبنى "النهار" بين المتظاهرين والقوى الامنية، بدا واضحاً ان الدوامة التي تحكم ‏الطوق على البلاد ماضية نحو فصول تصاعدية، وان يكن المراقبون رصدوا في خلفيات جلسة اقرار الموازنة ‏معادلة لافتة تمثلت في نجاح رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس كتلة "المستقبل" الرئيس سعد الحريري في ‏تجنب اطاحة الجلسة من خلال تأمين "المستقبل" النصاب القانوني الوزراء في مقابل حمل رئيس الحكومة الجديد ‏على تبني مشروع الموازنة على رغم ان نواب "المستقبل" انفسهم عادوا وصوتوا ضده‎.‎
‎ وبرر الرئيس الحريري ذلك بتغريدة عبر حسابه على "تويتر" جاء فيها: "أؤكد لكل من يهمه الأمر ولكل من يجد ‏الفرصة مؤاتية لفبركة الحملات ان كتلة المستقبل لن تكون اداة للمقاطعة وتعطيل المؤسسات وهي قامت بواجبها ‏ولم تتهرّب من مسؤولياتها وقالت كلمتها في المجلس بصراحة تحت سقف الدستور". وأضاف: "هذه مدرسة ‏رفيق الحريري ولن نحيد عنها مهما اشتدت الصعاب وتكاثرت من حولنا أبواق المزايدين. وعندما تحين ساعة ‏القرار الذي يخدم مصلحة لبنان نأخذ القرار المناسب ونستودع الله وطننا الحبيب وشعبه الطيب". ‎ ‎
وأوضحت كتلة "المستقبل" انها صوتت ضد الموازنة "انطلاقاً من قناعتها أن الارقام الواردة فيها لم تعد تعكس ‏الواقع، لأن الاقتصاد اختلف حجماً ونوعًا عما كان عندما أقرت الحكومة السابقة مشروع الموازنة‎".
‎ وأضافت: "كان موقف الكتلة المبدئي هو بوجوب انتظار حصول الحكومة الحالية على الثقة قبل مشاركتها في ‏جلسة مناقشة الموازنة. أما ولم يأخذ المجلس النيابي برأي الكتلة حول انتظار الثقة، فإن الكتلة طالبت رئيس ‏الحكومة حسان دياب في الجلسة بإعلان تبنيه لمشروع الموازنة، منعاً لأي تأويلات أو ذرائع لاحقة، خصوصاً ‏في ظل الموقف الملتبس بهذا الشأن لرئيس الحكومة وبعض الوزراء فيها سابقاً. وقد أعلن الرئيس دياب تبنيه ‏الصريح لهذه الموازنة، ردا على سؤال مباشر من الكتلة".‎ ‎
وبرر الرئيس دياب موافقة الحكومة على الموازنة مساء بقوله في اجتماع اللجنة الوزارية المكلفة وضع البيان ‏الوزاري بان "إقرار الموازنة العامة في مجلس النواب يعطي إشارة إيجابية للداخل والخارج، بغض النظر عن ‏الملاحظات المتعلقة بظروف ومضمون هذه الموازنة وأن الحكومة كانت حريصة على تسهيل إقرار هذه الموازنة ‏نظراً لأهميتها المحورية في استمرارية عمل الدولة، التزاماً للمُهل الدستورية. وشدّد على أن "إقرار الموازنة هو ‏محطة تسمح للحكومة بتركيز عملها على إنجاز البيان الوزاري الذي يجب أن ينتهي العمل به في أسرع وقت". ‎ ‎
لودريان ولبنان
‎ وسط هذه التطورات، نقل مراسل "النهار" في باريس سمير تويني عن وزير الخارجية الفرنسي جان-ايف ‏لودريان "ان الكرة الان في الملعب اللبناني، ويجب ان تتخذ الحكومة اللبنانية التدابير الضرورية لابقاء لبنان على ‏قيد الحياة لان الوضع صعب للغاية". وقال: "سنتخذ موقفاً من الحكومة بعد اعلان بيانها الوزاري. لقد حددنا عددا ‏من المطالب الضرورية لتوفير الدعم ويعود الى السلطات اللبنانية ان تبرهن لنا انها جاهزة لتنفيذ هذه المطالب. ‏وضعنا على الطاولة كل ما يمكننا ان نقدمه ويعود الى السلطات اللبنانية ان تبرهن انها جاهزة للقيام بهذه ‏الاصلاحات".‎ ‎
وفي احتفال بحلول السنة الجديدة أمام الصحافة الديبلوماسية والاجنبية اعلن لو دريان أمام عدد من الصحافيين ‏تجمعوا حوله رداً على سؤال عما اذا كانت الحكومة اللبنانية هي حكومة "حزب الله": "لا أريد اصدار حكم حول ‏تشكيل الحكومة اللبنانية… ما الاحظه ان السيد حسان دياب تمكن من تشكيل حكومة، وسيدلي بتصريح خلال ‏الايام المقبلة وعندها ساتمكن من معرفة نياته".. ‎ ‎
وأضاف: "يجب ان تحصل الحكومة على ثقة مجلس النواب، وان تضع جميع الوسائل قيد التنفيذ واتخاذ التدابير ‏الضرورية من اجل ابقاء لبنان تقريبا على قيد الحياة، لان الوضع صعب للغاية… سننتظر ما سيعلنه المسؤولون ‏الاساسيون في الايام المقبلة وما سيعلنه رئيس الوزراء في بيانه الوزاري، وحينها يمكننا اعلان موقفنا".. ‎ ‎
وذكّر لو دريان بأنه "نظمنا في باريس مؤتمرين مهمين للبنان (سيدر ومجموعة الدعم) وجميع اللبنانيين يعلمون ‏ذلك، وقد جمعا العديد من اللاعبين ومنهم الاجتماع الاخير في 11 كانون الاول الماضي. لقد وضعنا على الطاولة ‏كل ما يمكننا ان نفعله وقلنا للسلطات اللبنانية انه يعودا اليكم انتم ايضاً تقويم خطورة الوضع واتخاذ المبادرات من ‏أجل الاصلاح الضروري". وختم: الان الكرة هي في الملعب اللبناني..

النهار - 28-1-2020

إرسال تعليق

 
Top