0
لم يعد الخلاف بين المصارف اللبنانية والمودعين الذين يتعذّر عليهم سحب أموالهم، ‏محصوراً داخل فروع المصارف، أو مقتصراً على العراكات التي تحصل مع الموظفين، ‏وإنما انتقل أيضاً إلى أروقة القضاء، حيث تغصّ المحاكم بعشرات الدعاوى القضائية التي ‏يطالب مقدّموها بإلزام البنوك بتسليمهم أموالهم كاملة. ويجد المودعون أن اللجوء إلى ‏القضاء بات أقصر الطرق لاستعادة أموالهم المحتجزة في البنوك، خصوصاً أن بعض هذه ‏القضايا صدرت فيها أحكام لصالح المدّعين‎.
أول غيث هذه الملفّات تمثّل في القرار النافذ الذي أصدره قاضي الأمور المستعجلة في ‏النبطية (جنوب لبنان) أحمد مزهر في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، وهو الأول من ‏نوعه منذ بدء الأزمة المالية في لبنان، وتمنّع المصارف عن دفع مستحقات المودعين ‏بشكل طبيعي، وخصوصاً بالعملات الأجنبية. وقضى القرار بإلزام مصرف في مدينة ‏النبطية بدفع قيمة حساب لديه قيمته 129 ألف يورو، من دون تأخير وتحت طائلة غرامة ‏إكراهية مقدارها 20 مليون ليرة عن كلّ يوم تأخير‎.
وكشف مصدر قضائي لـ"الشرق الأوسط" أن القاضي مزهر عاد وأصدر قراراً مماثلاً ‏قبل أسبوعين، ألزم بموجبه مصرفاً آخر بإعادة أموال أحد المودعين البالغة 400 ألف ‏يورو، تحت طائلة فرض غرامة مالية إكراهية مرتفعة عن كلّ يوم تأخير في تنفيذ ‏القرار، مشيراً إلى أن هذين القرارين "نفّذا في الحال". ولفت المصدر القضائي إلى أن ‏‏"هناك عشرات الدعاوى المماثلة تغصّ بها دوائر قضاة الأمور المستعجلة والمحاكم ‏الجزائية في كلّ المحافظات اللبنانية، لكنّ أكثرها كثافة في بيروت وجبل لبنان والبقاع‎".
في هذا الوقت، اعترف مصدر مصرفي بأن هذه الدعاوى "أربكت القطاع المصرفي إلى ‏حدّ كبير وهذا لم يعد سرّاً". واتهم في تصريح لـ"الشرق الأوسط" بعض المحامين ‏بـ"إغراء المودعين بقدرتهم على سحب أموالهم بموجب قرارات وأحكام قضائية بمهلة ‏زمنية سريعة، وهو ما حفّزهم على رفع هذه الدعاوى، علما بأن أموال المودعين محميّة ‏ولا خوف عليها، وإن كانت الظروف القاهرة والاستثنائية لا تسمح بسحب كلّ الودائع، ‏لأنها تضرب القطاع المصرفي، وتؤدي إلى جفاف في السيولة". وقال: "ليس منطقياً أن ‏تصبح أموال الناس في البيوت، تحت ذريعة الخوف عليها رغم الضمانات التي يؤمنها ‏مصرف لبنان للناس‎".
وقلل المصدر المصرفي من تأثير هذه الدعاوى على صدقية المصارف وثباتها، وشدد ‏على أن "معظم الأحكام التي صدرت ضدّ مصارف جرى استئنافها (الطعن بها)، لأن ‏المصارف المحكوم عليها طلبت من المحاكم المستأنف أمامها، تجميد تنفيذ الأحكام بسبب ‏الأوضاع المالية الصعبة التي يمرّ بها البلد، ولكون حماية المصارف جزءاً أساسياً من ‏حماية الدولة ومصالحها". وقال: "غالباً ما تعمد إدارة المصرف المدعى عليه إلى إجراء ‏مفاوضات وتسوية مع الزبائن، خصوصاً أن المودعين يدركون تماماً أن كلّ المصارف ‏تعاني نفس الوضعية وتطبّق نفس الإجراءات باتفاق ضمني مع مصرف لبنان ‏المركزي‎".
وإلى جانب الدعاوى القضائية، تتوالى الإخبارات التي يقدّمها محامون أمام النيابة العامة ‏التمييزية ضد جمعية المصارف وممثلي المصارف في الجمعية المذكورة، وضدّ كل من ‏يظهره التحقيق فاعلاً أو متدخلاً أو محرضاً بتهم "تغيير أنظمة عمل المصارف، ‏واختلاس أو تبديد أموال المودعين". وطالب مقدمو الإخبارات بـ"التحقيق مع الهيئات ‏والأشخاص المشار إليهم والادعاء عليهم، وإحالة من تثبت مسؤوليته موقوفاً إلى ‏المحاكمة‎".
وتأتي الإخبارات على خلفية البيان الذي أصدرته جمعية المصارف بعد اجتماع عقدته في ‏‏17 نوفمبر الماضي، وتضمن إعداد لائحة بالتدابير المصرفية المؤقتة، التي يمكن أن ‏تتخذها المصارف، وتوحيد وتنظيم العمل اليومي للموظفين فيها، في ظل الأوضاع ‏الاستثنائية الراهنة التي تمر بها البلاد. وجاء ذلك بناء على توجهات عامة من البنك ‏المركزي، منها على سبيل المثال لا الحصر، التحويلات إلى الخارج، على أن تكون فقط ‏للنفقات الشخصية الملحة، وتحديد المبالغ النقدية التي يمكن سحبها بمعدل ألف دولار ‏أميركي (ثم عادت وتدنّت إلى 200 دولار) كحد أقصى أسبوعياً لأصحاب الحسابات ‏الجارية بالدولار، وغيرها من الإجراءات المصرفية الأخرى.

الشرق الأوسط - 2-2-2020

إرسال تعليق

 
Top