0
هي "قصة إبريق الزيت" نفسها تتوالى فصولها على مسرح "الحكواتي" الحكومي… واللازمة ذاتها تتكرر مع كل تشكيلة جديدة: حقائب سيادية، حصص حزبية، توزيعات طائفية، والثلث الشهير المعطّل. لكن وإذا كانت عرقلة تشكيلات "الوحدة الوطنية" تجد ما يبررها ربطاً بالكباش المعهود بين الأكثريات والأقليات وتنازع "الأطباق الدسمة" على مائدة التحاصص الوزاري والطائفي، غير أنّ ما يكاد يكون عصياً على الاستيعاب هو تحوّل حكومة "الفريق الواحد" إلى تشكيلة "لا تشكيلي ببكيلك"، يتنازعها الحلفاء في قوى 8 آذار ويهبشون مغانمها، حتى إذا ما قاس أحدهم حصة حليفه فوجدها أوزن من حصته ثارت ثائرته وحرد وهدّد وتوعّد بهدّ الهيكل الحكومي فوق رأس الجميع على الطريقة "الولادية"، التي لا تقيم وزناً لا لمصلحة البلد ولا لمصلحة أبنائه… ولا حتى أقله لمصلحة "بيّ الكل" في منظومة الثامن من آذار "حزب الله"، الذي يكزّ على أسنانه غيظاً وغضباً من تلكؤ أبناء محوره عن مراعاة ظرفه الاستثنائي في هذه المرحلة الإقليمية الحرجة، وعدم تفهّمهم حاجته الاستراتيجية إلى تهدئة ساحته الداخلية وتبريد أرضيته الملتهبة في مواجهة عواصف الداخل والخارج.
لكن وبدل ذلك، تتأسف مصادر قيادية في قوى 8 آذار لاضطرار "حزب الله"، المنهمك في مواكبة تطورات المنطقة المتسارعة، إلى الوقوف محلياً بين حلفائه كـ"قاضي الولاد"، ساعةً يسترضي هذا وتارةً يطبطب لذاك، وبين هذا وذاك تكاد تعييه سبل الوقوف على خاطر كل مكونات الحكومة العتيدة، مشيرةً إلى أنّ مشكلة "الحزب" الأساس أنه يحاذر الضغط على حلفائه ويحرص على توفير أقصى ما يمكنه من مرونة وأوسع ما يستطيع تأمينه من هوامش، لتلبية رغبات جميع أبناء صفه السياسي، غير أنه إذا كان يبرع في مقارعة الكبار على مختلف الساحات الإقليمية والدولية، يجد نفسه في كثير من الأحيان مكبّل اليدين أمام حلفائه على الساحة الداخلية، تحت وطأة فائض الدلع الذي يمارسونه عليه، الأمر الذي يضطره في نهاية المطاف إلى اتخاذ قرار بإعادة تنظيم الصفوف وفق أولويات إستراتيجية، لكن أيضاً مع حرصه على عدم كسر حليف على حساب حليف آخر، كما حصل الأسبوع الفائت حين تدخّل لإعادة تعويم حظوظ حكومة حسان دياب وتفكيك صاعق تفجيرها، من خلال دفعه باتجاه عقد لقاء عين التينة (بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل)، والذي أفضى إلى تنفيس الاحتقان الذي كان سائداً، لكن وبينما كانت عجلة التأليف تسير بسلاسة باتجاه استصدار مراسيم قصر بعبدا، عادت الأمور لتصطدم بعقبات أقل ما يقال فيها إنها "صبيانية"، قد تضطر "حزب الله" مجدداً إلى التدخل في حال لم تجد طريقها إلى الحلحلة تلقائياً، لأنّ البلد ينهار فوق رؤوس الجميع ولم يعد بمقدور أي طرف مهما بلغ حجمه تحمّل تداعيات الاستمرار من دون حكومة.
إذاً، لا تزال تشكيلة دياب معلّقة على قاعدة "كل حصّة بغصّة"، وسط استمرار الخلاف بين مكوناتها بانتظار "كلمة سرّ" مرتقبة، من شأنها أن تضع حداً لمهزلة تناتش الحصص "التكنوقراطية"، وفي حين برز كلام عالي السقف من البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي أمس، بلغ مستوى تصنيف كل من يعرقل ولادة الحكومة في خانة "أعداء لبنان"، لافتاً إلى أنه "ما من بلد في العالم يتعمّد المسؤولون فيه خرابه كما يحصل في لبنان"، استرعت الانتباه في المقابل المواقف الاعتراضية المتتالية في صفوف قوى الثامن من آذار، احتجاجاً على ترسيم خريطة الحصص الوزارية في الحكومة العتيدة، بدءاً من رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية الذي سيعقد مؤتمراً صحافياً اليوم لشرح موجبات اعتراضه، مروراً برئيس "الحزب الديمقراطي" النائب طلال أرسلان الذي يطالب بحقيبتين في التشكيلة الوزارية، وصولاً إلى النائب ميشال الضاهر الملوّح بحجب الثقة إعتراضاً على الحصة الكاثوليكية، وحتى عضو "اللقاء التشاوري" النائب جهاد الصمد أبدى عزمه على عدم منح الحكومة الثقة، بعدما ثبت أنه "كان واهماً بقدرة دياب على تشكيل حكومة من الكفاءات تتمتع باستقلالية القرار"، منتقداً في الوقت عينه باسيل من دون أن يسميه من خلال إشارته إلى "محاولة أحدهم استعادة الثلث المعطّل الذي عطّل عمل كل الحكومات".
في الغضون، وبعدما تبيّن أنّ إحدى العقد الحكومية تكمن في رفض بري تجيير "الثلث المعطل" لمصلحة الفريق العوني، حيث سعى رئيس المجلس إلى اقناع الرئيس المكلف بسحب وزير مسيحي من الحصة العونية، لمصلحة تسمية أمل حداد نائبة لرئيس الحكومة مقابل دمج وزراتي الدفاع والاقتصاد، علمت "نداء الوطن" أنّ باسيل قرّر تعليق الاتصالات والمشاورات الحكومية وتوجّه إلى اللقلوق لتمضية "الويك أند"، بعدما عبّر عن انزعاجه من السلوك السائد، كونه يعتبر، بحسب مصادره، أنّ الوزراء الخمسة المفترض أنهم يمثلون الحصة العونية "غير محسوبين عليه بشكل كامل".

نداء الوطن - 18-1-2020

إرسال تعليق

 
Top