بين مراوحة ملموسة وإيجابية غير مرئية، تراوحت المعلومات وتضاربت المعطيات خلال الساعات الأربع والعشرين الأخيرة لتعبّر عن حالة فاضحة من التخبط والضياع على ضفة أهل السلطة التي يتنازعها، من جهة مَيْل تاريخي إلى المكابرة والتسلط، ومن جهة ثانية رضوخ لا مفرّ منه للأمر الواقع المستجد على الأرض.
وبين البينين تبدو الصورة ضبابية المعالم حتى الساعة تحت تأثير عجز أهل الحكم عن التوافق على شكل الحكومة العتيدة برئيسها وتركيبتها خارج نطاق الذهنية السياسية التحاصصية التي كانت سائدة وأدت إلى اندلاع الثورة وقلبت الطاولة على من عليها، فلا رئيس الجمهورية ميشال عون مستعد لإطلاق سراح ورقة التكليف من قبضته قبل أن يضمن ورقة التأليف، ولا رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري جاهز ليخطو خطوة واحدة نحو جادة التكليف من دون أن يطمئن إلى تغيير جذري في قواعد التأليف يحاكي التطلعات الشعبية والتحديات الاقتصادية، سيما وأنّ عقدة توزير جبران باسيل لا تزال تدور في فلك لعبة الشروط والشروط المضادة، و"حزب الله" مستمر في مناهضة فكرة حكومة الاختصاصيين المنزّهة عن التبعية السياسية لاعتبارها تجسد انكساراً لنفوذه وسطوته في منظومة الحكم اللبناني.
وبانتظار تبلور الصورة بين ترقب ما سيؤول إليه موقف الحريري الرافض لترؤس حكومة جديدة تسنتسخ سابقاتها، وبين مراقبة تطورات المشهد الميداني بأبعاده الثورية المتصاعدة والمتسارعة، تكثفت الجهود الرئاسية والسياسية بالأمس في محاولة للخروج من عنق الزحاجة بحيث عقد رئيس حكومة تصريف الأعمال اجتماعاً هو الأول من نوعه منذ استقالته مع المعاون السياسي لأمين عام "حزب الله" حسين الخليل، قبل أن ينتقل إلى قصر بعبدا حيث التقى رئيس الجمهورية على مدى قرابة الساعة إلا ربعاً خرج على اثرها متكتماً ومعلناً عزمه على استكمال المشاورات على إيقاع تمسك عون والثنائي الشيعي بوجوده على رأس الحكومة الإنقاذية العتيدة، وهو ما عبّر عنه رئيس مجلس النواب نبيه بري صراحةً بالإعراب عن إصراره "على تسمية سعد الحريري لرئاسة الحكومة لأنّ في ذلك مصلحة للبنان".
أما في المعلومات المتوافرة عن اجتماع قصر بعبدا، فبينما تحدثت مصادر قصر بعبدا عن "توافق في نقاط وخلاف في نقاط أخرى"، اختصرت مصادر مطلعة على أجواء الحريري الوضع الحكومي الراهن بالقول لـ"نداء الوطن": "المراوحة مستمرة إنما ليس على خلفية ما نجم عن اجتماع بعبدا الذي خصص في جانب أساسي منه لمناقشة الوضع الاقتصادي والمالي والتوجهات التي يعمل عليها مصرف لبنان مع جمعية المصارف لتدارك الاسوأ في ما يتصل بسحوبات الدولار وسعر الصرف في السوق السوداء"، مشيرةً في هذا المجال إلى أنّ "حركة المشاورات بين قصر بعبدا وبيت الوسط وعين التينة تركزت على متابعة الشأن الاقتصادي والمالي، ولقاء بعبدا إنما جاء في هذا السياق وإن كان عرض بطبيعة الحال لنتائج الاتصالات واللقاءات الجارية حيال الملف الحكومي".
وإذ أكدت أنّ "الرئيس الحريري لا يزال عند موقفه الذي سبق أن ابلغه لسائر القيادات"، حاذرت المصادر إطلاق توصيفات على شكل الحكومة الجديدة التي يتطلع الحريري إلى تشكيلها من نوع أن تكون مؤلفة من مستقلين أو تكنوقراط، مفضلةً التشديد على ضرورة ولادة "حكومة تترجم متغيرات اللحظة السياسية وفريق عمل حكومي مؤهل لمواجهة التحديات الاقتصادية". وهو ما عبرت عنه أيضاً مصادر سياسية واسعة الاطلاع لـ"نداء الوطن" من خلال الإشارة إلى كون الحريري غير متحمس للعودة إلى رئاسة حكومة تتمثل فيها الأحزاب كما كان الوضع في الحكومة المستقيلة، غير أنّ بعض القوى السياسية وفي مقدمها رئيس الجمهورية و"حزب الله" يصر على توليه الرئاسة الثالثة مع تركيبة حكومية لا تعدّل في جوهر موازين القوى التي كانت قائمة في الحكومة المستقيلة. وعلى هذا الأساس جاء تلويح بعض القوى الرافضة لاستبعاد الأحزاب في التشكيلة الحكومية المرتقبة بأنه في حال أصر الحريري على موقفه "فهناك غيره" جاهز لترؤس الحكومة، لافتةً الانتباه في المقابل إلى أنّ إعلان بري تمسكه بتسمية الحريري جاء بمثابة الرد على موقف هذه القوى ليقينه بأنّ المعالجات الاقتصادية إنما تتطلب وجود الحريري نفسه على رأس الحكومة.
وغير بعيد عن جسامة التحديات الاقتصادية، وإذ جاء تأكيد حاكم المصرف المركزي رياض سلامة على كون حل الأزمة الراهنة هو "بيد السياسيين"، مع تحذيره من أنّ "وضع لبنان صعب للغاية"، برز في الأيام الأخيرة اتساع رقعة الهواجس والمخاوف من انعكاسات الأزمة على النظام الاقتصادي بشكل عام والقطاع المصرفي بشكل خاص. فعندما يُمنع أصحاب الودائع من سحب ودائعهم يكون البلد قد دخل عملياً في المحظور باعتبار ذلك يشكل تعدياً واضحاً وصريحاً على القانون، والأخطر أنه يجسد خروج لبنان رسمياً عن قواعد النظام الإقتصادي الحر نحو اللحاق بأنظمة الإقتصاد الموجّه الذي لم يعد لها شبه أثر على وجه الأرض.
وإن كان لبعض التدابير الإحترازية المتخذة من قبل السلطات النقدية في بعض الدول مبرراتها لجهة حماية العملة الوطنية، يبقى أن التدابير الأخيرة المتعلقة بتجميد التسهيلات أو الحد من سقوفها، معطوفةً على الكلام الذي تم التداول به حول إصدار قوانين من أجل "تغطية وشرعنة" منع التحويلات أو السحوبات من المصارف، إنما تشكل ضربة قاسية تقضي على ما تبقى من الإقتصاد اللبناني.
فبينما تعتمد معظم الشركات في لبنان على القروض والتسهيلات المصرفية لتمويل نشاطاتها في ظلّ غياب الأسواق والأدوات المالية المتطورة، يأتي قطع القروض المصرفية عنها بمثابة قطع للأوكسيجين عن أي كائن حي، ما سيؤدي حكماً إلى اختناقه. أما في مسألة قوننة "الكابيتال كونترول" أو تقييد حركة التحويلات والسحوبات عبر سلة من تشريعات الضرورة التي يُحكى عن إمكانية لجوء مجلس النواب إليها بذريعة "تلافي الأسوأ"، فهي تدابير بكل تأكيد ستقود إلى "أسوأ الأسوأ" لأنها ستقطع الطريق على أي محاولة جدية للإنقاذ مستقبلاً باعتبارها سوف تضرب في العمق الثقة بالنظام الإقتصادي في لبنان، علماً أن السلطات النقدية لم تفوّت مناسبة إلا ورددت فيها أنّ الثقة هي أساس الإقتصاد. يبقى أنّ ما يقوم به بعض المصارف بشكل تلقائي أيضاً في خضم الأزمة الراهنة من تقييد للسحوبات بالدولار وتجميد للتسهيلات هو بحد ذاته أمر غير مقبول خصوصاً وأنها لسنوات طويلة راكمت أرباحاً طائلة من خلال هندسات مالية وسندات خزينة لم يستفد منها قطاع الإنتاج قيد أنملة بل على العكس من ذلك شكلت عبئاً عليه.
وبانتظار تبلور الصورة بين ترقب ما سيؤول إليه موقف الحريري الرافض لترؤس حكومة جديدة تسنتسخ سابقاتها، وبين مراقبة تطورات المشهد الميداني بأبعاده الثورية المتصاعدة والمتسارعة، تكثفت الجهود الرئاسية والسياسية بالأمس في محاولة للخروج من عنق الزحاجة بحيث عقد رئيس حكومة تصريف الأعمال اجتماعاً هو الأول من نوعه منذ استقالته مع المعاون السياسي لأمين عام "حزب الله" حسين الخليل، قبل أن ينتقل إلى قصر بعبدا حيث التقى رئيس الجمهورية على مدى قرابة الساعة إلا ربعاً خرج على اثرها متكتماً ومعلناً عزمه على استكمال المشاورات على إيقاع تمسك عون والثنائي الشيعي بوجوده على رأس الحكومة الإنقاذية العتيدة، وهو ما عبّر عنه رئيس مجلس النواب نبيه بري صراحةً بالإعراب عن إصراره "على تسمية سعد الحريري لرئاسة الحكومة لأنّ في ذلك مصلحة للبنان".
أما في المعلومات المتوافرة عن اجتماع قصر بعبدا، فبينما تحدثت مصادر قصر بعبدا عن "توافق في نقاط وخلاف في نقاط أخرى"، اختصرت مصادر مطلعة على أجواء الحريري الوضع الحكومي الراهن بالقول لـ"نداء الوطن": "المراوحة مستمرة إنما ليس على خلفية ما نجم عن اجتماع بعبدا الذي خصص في جانب أساسي منه لمناقشة الوضع الاقتصادي والمالي والتوجهات التي يعمل عليها مصرف لبنان مع جمعية المصارف لتدارك الاسوأ في ما يتصل بسحوبات الدولار وسعر الصرف في السوق السوداء"، مشيرةً في هذا المجال إلى أنّ "حركة المشاورات بين قصر بعبدا وبيت الوسط وعين التينة تركزت على متابعة الشأن الاقتصادي والمالي، ولقاء بعبدا إنما جاء في هذا السياق وإن كان عرض بطبيعة الحال لنتائج الاتصالات واللقاءات الجارية حيال الملف الحكومي".
وإذ أكدت أنّ "الرئيس الحريري لا يزال عند موقفه الذي سبق أن ابلغه لسائر القيادات"، حاذرت المصادر إطلاق توصيفات على شكل الحكومة الجديدة التي يتطلع الحريري إلى تشكيلها من نوع أن تكون مؤلفة من مستقلين أو تكنوقراط، مفضلةً التشديد على ضرورة ولادة "حكومة تترجم متغيرات اللحظة السياسية وفريق عمل حكومي مؤهل لمواجهة التحديات الاقتصادية". وهو ما عبرت عنه أيضاً مصادر سياسية واسعة الاطلاع لـ"نداء الوطن" من خلال الإشارة إلى كون الحريري غير متحمس للعودة إلى رئاسة حكومة تتمثل فيها الأحزاب كما كان الوضع في الحكومة المستقيلة، غير أنّ بعض القوى السياسية وفي مقدمها رئيس الجمهورية و"حزب الله" يصر على توليه الرئاسة الثالثة مع تركيبة حكومية لا تعدّل في جوهر موازين القوى التي كانت قائمة في الحكومة المستقيلة. وعلى هذا الأساس جاء تلويح بعض القوى الرافضة لاستبعاد الأحزاب في التشكيلة الحكومية المرتقبة بأنه في حال أصر الحريري على موقفه "فهناك غيره" جاهز لترؤس الحكومة، لافتةً الانتباه في المقابل إلى أنّ إعلان بري تمسكه بتسمية الحريري جاء بمثابة الرد على موقف هذه القوى ليقينه بأنّ المعالجات الاقتصادية إنما تتطلب وجود الحريري نفسه على رأس الحكومة.
وغير بعيد عن جسامة التحديات الاقتصادية، وإذ جاء تأكيد حاكم المصرف المركزي رياض سلامة على كون حل الأزمة الراهنة هو "بيد السياسيين"، مع تحذيره من أنّ "وضع لبنان صعب للغاية"، برز في الأيام الأخيرة اتساع رقعة الهواجس والمخاوف من انعكاسات الأزمة على النظام الاقتصادي بشكل عام والقطاع المصرفي بشكل خاص. فعندما يُمنع أصحاب الودائع من سحب ودائعهم يكون البلد قد دخل عملياً في المحظور باعتبار ذلك يشكل تعدياً واضحاً وصريحاً على القانون، والأخطر أنه يجسد خروج لبنان رسمياً عن قواعد النظام الإقتصادي الحر نحو اللحاق بأنظمة الإقتصاد الموجّه الذي لم يعد لها شبه أثر على وجه الأرض.
وإن كان لبعض التدابير الإحترازية المتخذة من قبل السلطات النقدية في بعض الدول مبرراتها لجهة حماية العملة الوطنية، يبقى أن التدابير الأخيرة المتعلقة بتجميد التسهيلات أو الحد من سقوفها، معطوفةً على الكلام الذي تم التداول به حول إصدار قوانين من أجل "تغطية وشرعنة" منع التحويلات أو السحوبات من المصارف، إنما تشكل ضربة قاسية تقضي على ما تبقى من الإقتصاد اللبناني.
فبينما تعتمد معظم الشركات في لبنان على القروض والتسهيلات المصرفية لتمويل نشاطاتها في ظلّ غياب الأسواق والأدوات المالية المتطورة، يأتي قطع القروض المصرفية عنها بمثابة قطع للأوكسيجين عن أي كائن حي، ما سيؤدي حكماً إلى اختناقه. أما في مسألة قوننة "الكابيتال كونترول" أو تقييد حركة التحويلات والسحوبات عبر سلة من تشريعات الضرورة التي يُحكى عن إمكانية لجوء مجلس النواب إليها بذريعة "تلافي الأسوأ"، فهي تدابير بكل تأكيد ستقود إلى "أسوأ الأسوأ" لأنها ستقطع الطريق على أي محاولة جدية للإنقاذ مستقبلاً باعتبارها سوف تضرب في العمق الثقة بالنظام الإقتصادي في لبنان، علماً أن السلطات النقدية لم تفوّت مناسبة إلا ورددت فيها أنّ الثقة هي أساس الإقتصاد. يبقى أنّ ما يقوم به بعض المصارف بشكل تلقائي أيضاً في خضم الأزمة الراهنة من تقييد للسحوبات بالدولار وتجميد للتسهيلات هو بحد ذاته أمر غير مقبول خصوصاً وأنها لسنوات طويلة راكمت أرباحاً طائلة من خلال هندسات مالية وسندات خزينة لم يستفد منها قطاع الإنتاج قيد أنملة بل على العكس من ذلك شكلت عبئاً عليه.
نداء الوطن - الجمعة 8 تشرين الثاني 2019
إرسال تعليق