0
سعد ما سقط.. وكـلّن يعني جبران
كتب بشارة خيرالله في جريدة النهار (6\11\2019): تجزم مصادر متابعة لليوم الأول من التحرك في الشارع الذي تحول إلى ثورة حقيقية، ان استقالة الرئيس الأعلى للجمهورية جبران باسيل، أو تنحيه لو فهم الرسالة كما يجب، كان كفيلاً بعدم إنهاء "اسطورة ميشال عون" على هذا النحو. فهل هناك أفظع من طيّ صفحة منتصف الولاية الرئاسية، في مواجهة هذه الأمواج البشرية الهاتفة لجبران من صور إلى بيصور ومن النبطية إلى الأشرفية ومن جزين إلى صغبين وجب جنّين ومن الكورة إلى الناقورة ومن البترون إلى القلمون ومن عكار إلى خربة قنافار ومن نور الساحات (ساحة النور) إلى ساحات المدينة ومساحات البقاعين، وما أدراك...
ومع إعلان رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري استقالة حكومته، غصّت الساحات بجمهور "المستقبل"، كما غصّ "بيت الوسط" بالزوار. فلماذا هذا التسامح الجماهيري مع سعد الحريري؟ لأنه ببساطة أسقط التسوية وأسقط معها وزير الوزراء. هذا لسان حال الجزء المسيّس من الشارع.
سعد الحريري أسقط حكومة مارس بعض الوزراء فيها ما يشبه السطوة، فهل نجد في القاموس الديبلوماسي والأرشيف مصطلح "الجرف"؟ وهل نجد في تاريخ رؤساء الجمهورية وزراء يستعملون القصر الجمهوري ومقدراته تارةً للحجر على الاعلاميين وتأنيبهم، وتارةً أخرى لتفحص الشخصيات السنيّة والإيحاء بإمكانية استخراج الأفضل من بينها لتسميته رئيساً للحكومة؟
هل نسينا ان القصر الجمهوري هو مقر الرئاسة الأولى وله هيبته واحترامه وبروتوكوله الخاص؟ فلا هو فندق للمغامرات العاطفية أو لإقامة أعراس الأبناء ولا هو مقر حزبي للأصهرة ولوزراء البلاط. منذ متى سمعنا باتصال يبدأ بـ"ألو مرحبا.. معك وزير القصر".. منذ متى يخاطب وزير البيئة الشعب اللبناني بـ"ما تسمعني صوتك".. منذ متى أصبح لوزارة العدل وزيران.. والبحث يطول.
ففي هذه الحكومة رأينا العجب، مع عدم فهم بعض الوزراء لدورهم. رأينا السطوة مع استعمال سيف الدولة لكبت الحريّات.. رأينا التفرد والتمرد مع المزايدة في حب النظام السوري والدفاع عنه في المحافل الدولية من دون موافقة الحكومة. رأينا التحدي بزيارات للشام شاء رئيس الحكومة أم رفض. رأينا ضرائب غريبة عجيبة على تطبيقات مجانية دولية (واتساب) أشعلت نار الثورة. رأينا جرائم لم يتحمل مسؤوليتها أي وزير.. رأينا الزحمة أمام محطات البنزين والأفران أعادتنا بالذاكرة إلى أيام الحكومة الانتقالية برئاسة العماد ميشال عون، والتي أودت بلبنان إلى الكارثة.
مع منتصف ولاية الرئيس ميشال عون، أيقن السواد الأعظم من اللبنانيين خطورة التسوية الرئاسية المبنية على تبادل المصالح وتقاسم الحصص وفرض الضرائب بدلاً من الاسراع في الاصلاحات ووقف الهدر وضبط أوكار الفساد ووضع يد الدولة على المعابر الشرعية وغير الشرعية بدلاً من تركها سائبة تتحكم فيها ميليشيات التهريب.
لم يعرف تاريخ الجمهورية اللبنانية حتى في عزّ الحرب الأهلية، ركوداً اقتصادياً ونمواً متدنياً كمثل العام 2019 بسبب حكم "الأقوياء". بالتأكيد ليست صدفة بقدر ما كانت متوقعة. "المكتوب بينقرا من عنوانو" كما يقول المثل الشعبي اللبناني.
حسناً فعل الرئيس سعد الحريري بإسقاطه الهيكل الحكومي خلافاً لرغبة السيد حسن نصرالله. حسناً فعل بوضعه حداً لهذه الغطرسة على المجتمعين العربي والدولي وهذا الاستقواء على الشعب اللبناني الذي كرر جريمته بالتجديد للطبقة التي تأخذه رهينة لمطامعها قبل ان ينتفض كمثل طائر الفينيق بعد ان رمّدته السياسات التدميريّة.
والأدهى من كل ذلك، يأتيك من يتحدث عن استياء "حزب الله" و"التيار" وغيرهما من استقالة سعد الحريري غير المنسقة، وكأن الدستور أجبر رئيس مجلس الوزراء على التنسيق مع السيد نصرالله والسيد باسيل قبل تقديم الاستقالة. فهل نسينا كيف استقال الرئيس عمر كرامي من منبر مجلس النواب، ما أثار دهشة رئيس مجلس النواب نبيه بري وغيره من الحلفاء؟. وهل نسّق "حزب الله" مع الحريري حين قطَع له "وان واي تيكت" من دارة العماد ميشال عون في الرابية لحظة دخوله إلى اجتماع في البيت الأبيض؟. علينا ان نتذكر كيف علم الرئيس الشهيد رفيق الحريري بخبر اعتذاره عن تأليف الحكومة بواسطة الراديو، وعلينا ان نثق بأن "زمن الأول تحول" وعقارب الساعة لن تعود إلى الاحتلال، أيّاً يكن شكله.. 

بشارة خيرالله - النهار - 6-11-2019

إرسال تعليق

 
Top