0
يحيي الرئيس ميشال عون غداً الذكرى الثالثة لتسلمه مقاليد رئاسة الجمهورية، وسط ازمة عميقة تصيب منتصف عمر الولاية، مع حكومة مستقيلة، وتحركات تنذر الى اليوم بتصعيد متواصل، لتحقيق كثير من الوعود التي اطلقها الرئيس في مطلع عهده، وفشل مع الحكومات المتعاقبة في تحقيق الحد الادنى منها، ومع وضع اقتصادي ومالي يوشك على الانهيار في غياب أي دعم عربي ودولي تدفع في اتجاهه المواقف السياسية للعهد المتحالف مع "حزب الله" الذي تلاحقه العقوبات الدولية.
واذا كان الرئيس سعد الحريري استجاب لنداء الشارع، وقدم استقالة حكومته عصر أمس، نزولا عند الرغبة الشعبية في ذلك، ظنا منه ان هذه الخطوة ترضي الحراك المدني، فان غارات "القمصان السود" التي نفذها عناصر الثنائي الشيعي "حزب الله - أمل" والشعارات الطائفية التي اطلقها هؤلاء، والشتائم التي وجهوها الى المتظاهرين، ولدت ردات فعل عكسية، ودفعت الى مواصلة الحراك، والمؤسف انها أعادت تحريك الفتنة المذهبية السنية الشيعية. اذ ان نداءات "شيعة شيعة" و"حزب الله" وحركة "أمل" أيقظت الشارع السني الذي خرج ليلاً في غير منطقة، ورد على عناصر الشغب التي اسقطت هيبة الدولة اولا، وحركت المشاعر الدفينة ثانياً، وولدت نقمة على العهد ثالثاً اذ حملته مسؤولية الاعتداء على الناس واضعاف هيبة مؤسسات الدولة والاجهزة الامنية.
وتأتي الغارات بعد تحذيرات ولاءات حددها الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله أعلن فيها رفضه استقالة الحكومة. وتبعتها سلسلة تصرفات ضيقت على المتظاهرين في غير منطقة خصوصاً في الجنوب.
والاسئلة الصعبة التي تواجه القيمين حالياً، لا تجد الى اليوم اجابات شافية بدليل عدم اصدار الرئاسة أي بيان عن الاستقالة أمس، في انتظار بلورة أفكار ورؤى حول شكل الحكومة الجديدة، خصوصاً بعد التصلب الذي اصاب المفاوضات السابقة حول التعديل الوزاري، مع اصرار الرئيس على عدم التخلي عن اعادة توزير جبران باسيل، كمثل تجاربه السابقة في تأليف الحكومات عندما كان يعطلها أشهراً لفرض توزير باسيل بالحقيبة التي يشتهيها.
وبدا من مصادر بعبدا ان خطوة االرئيس الحريري بالاستقالة لم تكن منسقة مع رئيس الجمهورية. وعلم ان البيان الرئاسي سيصدر بعد معرفة التوقيت المناسب لاجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس تشكيل حكومة جديدة.
وسربت المصادر ان "حزب الله يرفض تشكيل حكومة يكون باسيل خارجها، انطلاقاً من رفضه كسر حليف أساسي يمثل اكثرية مسيحية نيابية وشعبية". ولم تستبعد ان يكون المخرج باعادة تسمية الحريري وبدخول الحكومة الحالية بفترة تصريف أعمال قد تمتد طويلاً اذا لم يتفق على الحكومة المقبلة.
وكان الحريري اتخذ قراره مساء الاثنين، وأبلغه الى من يعنيهم الامر، في انتظار أي خطوة ايجابية تلاقيه في منتصف الطريق، لكن الجواب جاءه في الشارع عندما انطلقت مجموعات الشغب لضرب المتظاهرين بحجة فتح الطرق. وهذا المشهد جعل الاستقالة حاسمة ولا عودة عنها.
وبدأت منذ أمس حركة اتصالات واسعة للتعجيل في التوصل الى حل مع اتجاه مبدئي الى اعادة تكليف الحريري مرة جديدة، خصوصاً ان الوجوه التي يمكن ان تكون مطروحة، باتت اسماء محروقة في الوسط السني قبل غيره في ظل تضامن مفتي الجمهورية ورؤساء الحكومات السابقين مع الرئيس المستقيل، في مواجهة اسماء بدأ تسريبها عبر الاعلام تكون أقرب الى التكنوقراط في ظل استبعاد كل وجوه 8 اذار.
وأكد لـ"النهار" رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط ان حزبه لن يشارك في اي حكومة لا يرأسها الحريري، وأن "الاستقالة أتت نتيجة تعنّت تيّار سياسيّ معيّن بعدم الاستجابة لطلب الرئيس الحريري تغيير بعض الوجوه في الحكومة لتلبية الحد الأدنى من متطلّبات الحراك".
وفي أول رد فعل دولي، دعا وزير الخارجية الفرنسي جان-إيف لودريان، السلطات اللبنانية إلى التعاون لضمان وحدة لبنان، قائلاً إن البلاد تمر بأزمة "خطيرة للغاية" إثر استقالة الحريري. وأضاف أن لبنان "يمر بأزمة خطيرة للغاية منذ أسبوعين، مع زيادة احتجاجات المواطنين والحوادث والتوترات ووجود أزمة ثقة".
مالياً، عرفت السندات السيادية للبنان أحد أسوأ أيامها على الإطلاق أمس بعد اعلان الاستقالة، اذ أجج حالة عدم التيقن في شأن الطريقة التي سيتجاوز بها البلد أزمته الاقتصادية الأشد في نحو 30 سنة.
وشهد إصدارا 2021 و2022 أشد تراجعاتهما اليومية على الإطلاق، إذ هويا ستة سنتات، وفقا لبيانات "تريدويب".
وقفزت عائدات بعض السندات لتصل في حالة إصدار 2020 إلى 38 في المئة، مما يشير إلى أن تكاليف الاقتراض أصبحت باهظة على نحو معظل للبلد المثقل بالديون.
وقال رئيس دين الأسواق الناشئة العالمية لدى "أبردين ستاندارد انفستمنتس" بريت ديمنت: "من الصعب النظر الى ذلك (استقالة الحكومة) كعامل إيجابي"، مضيفاً أن لا وضوح في شأن شكل أي حكومة بديلة.
وفقدت بعض إصدارات السندات الدولارية، مثل إصدار 2020، نحو 16 سنتاً منذ انطلاق التظاهرات في 17 تشرين الأول.
واستناداً الى بيانات "آي.اتش.اس ماركت" قفزت عقود مبادلة مخاطر الائتمان لخمس سنوات للبنان، وهي مقياس لتكلفة التأمين على الدين السيادي من خطر التخلف عن السداد، 54 نقطة أساس عن اقفال الاثنين إلى مستوى قياسي عند 1435 نقطة.
وينطوي مستوى العقود الحالي على احتمال نسبته 26 في المئة أن يتخلف لبنان عن سداد ديونه خلال سنة و59 في المئة في غضون خمس سنوات، وفقا لحسابات "آي. اتش. اس ماركت".
وقال مدير استراتيجية الأسواق الناشئة في "تي.دي" للأوراق المالية كريستيان ماجيو: "لو كانت هذه الحكومة مسؤولة عن هذا الوضع الأليم لكانت استقالتها إيجابية، لكن من المعتاد أن رحيل أي حكومة دون خطة واضحة للمستقبل ليس شيئاً إيجابياً أبداً.

النهار - 30 تشرين الأول 2019

إرسال تعليق

 
Top