0
"الفراغ أفضل مما نعيشه وحالة الشلل ليست وليدة اليوم"... على وقع هذا السقف العالي في التعبير عن الاصطفاف إلى جانب الحق والناس الذي عبّر عنه بجرأته المعهودة متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذوكس المطران الياس عودة لحظة وصوله إلى الصرح البطريركي، انعقد مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان في اجتماع استثنائي في بكركي ليخلص إلى إعلان البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي الاحتضان الكنسي لمطالب انتفاضة 17 تشرين مع التأكيد على ضرورة "تعديل الفريق الوزاري وتجديد الطاقم الإداري" في الدولة، وهو ما بدا بمثابة خريطة طريق تم التوافق على اتباعها بين قصر بعبدا وبكركي لحل أزمة انعدام الثقة بين السلطة والشعب. وإذا كانت الأنظار تتجه ظهر اليوم إلى القصر الجمهوري لرصد مضامين أول كلمة يكسر فيها رئيس الجمهورية ميشال عون حاجز صمته المستمر منذ اندلاع الثورة الشعبية، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه بقوة إعلامياً وشعبياً وسياسياً هو "ماذا سيقدّم رئيس الجمهورية من تنازلات وتضحيات تحاكي مطالب الثوار؟ سيما وأنّ معلومات موثوقة كشفت لـ"نداء الوطن" أنّ عون عدل عن فكرة التضحية بمقعد جبران باسيل الوزاري بعدما كان قد جرى البحث "داخل العائلة العونية الصغيرة" في مسألة تقديم ثمن من هذا القبيل للناس، غير أنّ باسيل سرعان ما عاد فأقنع عون بوجوب الحفاظ عليه في التركيبة الحكومية "لأنّ تدفيعي الثمن سيجعل منك فخامة الرئيس الهدف المقبل".
وقبل اجتماع بكركي وبعده، فُتحت قنوات التواصل بين رئيس الجمهورية والبطريرك الماروني سواءً بشكل هاتفي مباشر أو عبر موفد بعبدا النائب ابراهيم كنعان، وكشف مصدر متابع لـ"نداء الوطن" أنه بعد اتصال أول بين الجانبين عشية انعقاد اجتماع بكركي، عاد عون فأجرى اتصالاً آخر بعد ظهر الأمس بالراعي جرى خلاله "التأكيد على أنّ الخيارات التي وردت في البيان الصادر عن الاجتماع هي خيارات مطروحة لكن عليها أن تسلك المسار الديموقراطي تحت سقف الدستور"، ولفت المصدر إلى أنّ هذا الاتصال أتى متابعةً للاتصال الاول بين الجانبين بحضور كنعان الذي زار الصرح البطريركي صباح أمس، وتم في خلاله التشديد على أنّ "همّ الناس هو همّ مشترك بين بعبدا وبكركي وعلى ضرورة احتضان المطالب الشعبية"، مشيراً إلى أنّ "الدعوة التي وجهت إلى الحوار مع الأطراف كافة تعني أنّ هناك تكاملاً يفترض أن يظهر بعد كلمة رئيس الجمهورية (اليوم) والتي من المتوقع أن تشمل كل هذه المفاصل إضافةً إلى ما سيطرحه من خيارات".
أما على ضفة "التيار الوطني الحر"، فقد بدأت علامات الضياع والتململ تظهر في صفوف "التيار" ومناصريه لا سيما مع بروز أكثر من جناح يتنازع الطروحات والتوجهات إزاء سبل مواجهة الأزمة الراهنة، حسبما نقل قيادي عوني لـ"نداء الوطن"، موضحاً أنّ هناك "جناحاً داخل التيار يدفع باتجاه وضع خطة "هجومية – دفاعية" والبدء بتنفيذها فوراً في السياسة والميدان وسط تساؤلات واتهامات حول دور الجيش اللبناني وتساهله مع المتظاهرين المتجمهرين على الطرقات والساحات، بينما هناك جناح آخر يفضّل الاستمرار في التريث بانتظار أن تعبر العاصفة الشعبية مع تفهّم أداء الجيش في ظل عدم وجود قرار سياسي بتكليفه فتح الطرق وفض الاعتصامات". وعليه، يرجح القيادي العوني أن ينعقد اليوم اجتماع تكتل "لبنان القوي" برئاسة باسيل أو انعقاد الهيئة السياسية لـ"التيار الوطني" لمواكبة التطورات ودراسة التوجهات والخطوات المقبلة.
وفي الغضون، سجلت ساحات الثورة صموداً لافتاً للانتباه أمس في مواجهة العوامل الطبيعية والنزعات القمعية على امتداد خريطة التحركات الاحتجاحية، إذ وبينما لم تنجح محاولات زج الجيش في مواجهات مباشرة مع المتظاهرين لفض اعتصاماتهم، برزت "غزوات" حزبية على الأرض سعت إلى قمع المتظاهرين لا سيما في النبطية من قبل مناصري الثنائي الشيعي الذين عمدوا إلى تكسير منصات الاعتصام قرب البلدية بالعصي، وكذلك الأمر في "مزرعة يشوع" من قبل مناصري "التيار الوطني الحر" بمؤازرة عناصر من جهاز أمن الدولة بلباسهم المدني كما روى المتظاهرون في المنطقة حيث بادر المعتدون إلى الهجوم عليهم وتحطيم خيم اعتصامهم قبل أن يسارع عناصر الجيش إلى التفريق بين الجانبين.

أما في بانوراما المواقف الرئاسية والسياسية التي برزت خلال الساعات الأخيرة، ففي حين تبدو قيادة "حزب الله" وفق المعلومات المتوافرة لـ"نداء الوطن" غير حاسمة في خياراتها حتى الساعة "وغير سلبية تجاه البحث في أي من الخيارات المطروحة"، لا يزال رئيسا مجلسي النواب والوزراء نبيه بري وسعد الحريري "يحسبان ألف حساب" لأي خطوة قد تدخل البلد في نفق المجهول، وبهذا المعنى جاء تعبير بري واضحاً خلال لقاء الأربعاء النيابي عن عدم حماسته لاستقالة الحكومة، بينما يربط رئيس الحكومة أي خطوة لاستقالتها بوجوب إعداد ترتيبات مسبقة تضمن عدم الوقوع في الفراغ، بموازاة مضيه قدماً في اتخاذ التدابير التنفيذية اللازمة لحزمة الإصلاحات الجذرية على طاولة مجلس الوزراء في جلسته المقبلة.
وبالانتظار، نقلت مصادر المصرف المركزي لـ"نداء الوطن" أمس أنّ لبنان تبلغ خلال الساعات الأخيرة أنّ وكالة "ستاندرد أند بورز" وإثر اجتماعها لتقييم الوضع اللبناني في ضوء المستجدات الأخيرة قررت أن تمنح الحكومة اللبنانية مهلة 3 أشهر قبل الإقدام على أي تخفيض جديد لتصنيف لبنان الائتماني.
في وقت، استرعى الانتباه ليلاً تأكيد الخارجية الأميركية على لسان أحد مسؤوليها تعليقاً على مستجدات الأحداث في لبنان أنّ "للشعب اللبناني الحق في الاستياء من حكومته لعدم مكافحتها الفساد"، معربةً عن "دعم واشنطن لحق اللبنانيين في التظاهر السلمي والمطالبة بإصلاحات إقتصادية".

نداء الوطن - 24 تشرين الأول 2019

إرسال تعليق

 
Top