0
غرق لبنان أمس في سواد الحرائق التي امتدت على مساحة الوطن دونما اعتبارات طائفية ومذهبية كما ذهب البعض الى التفسير بضيق افق وتفكير، وانشغل المسؤولون على كل المستويات في متابعة الملف الذي بدا مهولاً اذ فاق عدد الحرائق المئة دفعة واحدة، بحيث عجزت الاجهزة المعنية عن السيطرة عليها، أو التعامل معها، ما استدعى طلب المساعدة من قبرص واليونان والاردن.
واذا كانت نتائج الحرائق الطبيعية شكلت كارثة بيئية حقيقية لا يمكن تعويضها في وقت قصير، فان الخسائر المادية التي سببتها بدت كبيرة أيضاً، وهي لا تقل عن الكوارث السياسية والاقتصادية المرتقبة نتيجة السياسات غير المدروسة المتبعة على كل المستويات، ونتيجة التباعد في وجهات النظر وفي مقاربة الامور بين أهل السلطة انفسهم.
واذ أفيد ان مجلس الوزراء دعي إلى جلسة اختبار النيات في السرايا الحكومية في الخامسة عصر اليوم للوقوف على تداعيات الحرائق ولمتابعة درس مشروع موازنة 2020، لجأ الرئيس سعد الحريري المستاء الى عين التينة للقاء الرئيس نبيه بري والتعبير له عن امتعاضه من جراء ما آلت إليه الاوضاع وما حصل في جلسة مجلس الوزراء الاثنين الماضي إذ كان مقرراً بحسب الحريري ان يؤيد الوزراء رزمة من الإصلاحات لكنه فوجئ بتبدل المواقف في اللحظة الاخيرة ما استدعى رفع الجلسة. ويطرح الحريري جملة من التساؤلات عن مغزى التراجع عن مجموعة من النقاط التي تم الاتفاق عليها، معتبراً هذا الأمر مستغرباً ولا جواب عنده.
وكان بري شدد على وجوب حسم الأمور ولو بالتصويت على كل بند "لأن الوضع الاقتصادي والمالي بلغ حدوداً كبيرة محرجة". وقال: "على الجميع ان يعلموا أن الوضع المالي صعب جداً ولا يقل خطورة وايلاماً عن الخطر الإسرائيلي وأدواته. وعلينا أن نتحمل المسؤولية الوطنية لإنقاذ البلد سريعاً".
وأفادت مصادر رئيس المجلس ان اللقاء والرئيس الحريري تمحور على المسار الذي تسلكه الموازنة العامة في جلسات مجلس الوزراء واللجان الوزارية والسبل الآيلة إلى تذليل العقبات لإنجاز الموازنة وإحالتها على المجلس النيابي في المواعيد الدستورية. ولفتت الى "المخاطر الناجمة من اضاعة الوقت في السجالات السياسية وانعكاساتها الخطرة على الوضعين المالي والاقتصادي اللذين لا يحتملان التلكؤ في اتخاذ الاجراءات الفورية للجم التدهور الحاصل".
وفي هذا الاطار، نبهت كتلة "المستقبل" النيابية "الجميع الى خطورة استمرار الدوران في الحلقات الفارغة، وهي تبدي شديد القلق من الاصطفافات التي يمكن أن تستجر لبنان الى حلبة الإنقسامات الأهلية وما يترتب عليها من مضاعفات في ظل الضوضاء الاقليمية والاشتباك القائم على الساحات العربية".
من جهة أخرى، وبعد القنبلة التي فجرها الوزير جبران باسيل باعلانه الذهاب الى سوريا بعد طلبه من مجلس جامعة الدول العربية اعادة سوريا الى حضن الجامعة، وهو الموقف الذي جاء ثمرة اجتماع مطول جمع باسيل والأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، بدا الاخير كأنه يجمع الحلفاء في اطار المواجهة القائمة دولياً وعربياً مع ايران والتي يقحم لبنان فيها، فعقد اجتماعاً مماثلاً مطولاً مع رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجيه أكد فيه الطرفان، استناداً إلى بيان "موقفهما المعروف بضرورة عودة العلاقات بين لبنان وسوريا الى وضعها الطبيعي، وجددا التأكيد على ضرورة الحوار المباشر والرسمي مع الحكومة السورية، خاصة في مجالين هامين هما الاستفادة من الفرصة الكبيرة التي يتيحها إعادة إفتتاح معبر البوكمال لتعزيز الصادرات اللبنانية عبر سوريا إلى العراق والعمل المشترك مع الحكومة السورية في مسألة عودة النازحين السوريين إلى بلادهم وتخفيف الأعباء الإقتصادية والإجتماعية الكبيرة على لبنان".
وفي المجال عينه، دعا نائب الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، الحكومة الى "فتح العلاقات السياسية مع سوريا لمصلحة لبنان"، مشيراً الى ان "حزب الله" يتابع الملف المالي الاقتصادي، ولم يقرر النزول إلى الشارع حتى الآن.
وتساءل: "أين هي سياسة النأي بالنفس التي يتحدثون عنها، هل النأي بالنفس أن نعاقب أنفسنا كرمى لعيون الآخرين، ومن المستفيد من العلاقة مع سوريا وفتح الحوار مع سوريا؟ لبنان هو المستفيد الأول، من ناحية يعود النازحون ومن ناحية أخرى نستفيد من هذا المعبر الإقتصادي بشكل كبير. لكن للأسف بعض المواقف السياسية التي تؤثر على موقف الحكومة اللبنانية هي التي تسبب هذه الأزمة الإقتصادية".
الاشتراكي
وفي اطار المواجهة المستمرة بين الحزب التقدمي الإشتراكي وفريق السلطة، اعتبر الاشتراكي ان خطوات انتقامية اتخذت في حق مناصريه أمس، وأصدر بياناً جاء فيه: "إستكمالاً لسياسات الاستهداف المنهجي، وفي خطوات لا تماثل عمل الدولة وأجهزتها، تبرع جهاز أمن الدولة بتمثيل وتنفيذ حلقة جديدة من هذا المسلسل. جهاز أمن الدولة بات يأتمر بتوجيهات قوى سياسية وقد أصبح ملحقاً بها ينفذ تعليماتها تارة باستجواب مهين لموظفي السلك الديبلوماسي وطوراً بمحاسبة ضباط وعناصر الجهاز من خلال استهداف مجموعة منهم وتلفيق تهم لهم وتحويلهم إلى التحقيق انتقاماً من موقف الحزب التقدمي الإشتراكي الذي عبر عنه وزير الصناعة وائل أبو فاعور في ساحة الشهداء. إن الحزب التقدمي الإشتراكي، إذ يحذر من التمادي في هذه الخطوات الكيدية الحاقدة، يدعو لوضع حد جذري لهذه السلوكيات والتصرفات المرفوضة في المطلق.

النهار - 16 تشرين الأول 2019

إرسال تعليق

 
Top