0
نالت كلمة الرئيس ميشال عون إلى اللبنانيين نصيبها من التعليقات السلبية بسبب ركاكة المونتاج الذي أظهر بوضوح لا يقبل الشك أن الكلمة مسجلة على مرحلتين، وهذا ما ظهر من خلال تغيّر وضعية الكتب في مكتبة القصر خلفه، علماً ان المونتاج ليس عيباً لو تم تنفيذه باحتراف لتجنب الكم الوفير من التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي.
لكن الأهم من الشكل، ما ورد في مضمون الكلمة الخالية من الحلول، باستثناء تلميحه إلى رغبة في تغيير "حكومة العهد الأولى"، مع ما لهذا التغيير المنشود من عقبات تبدأ برفض وزير الوزراء الخروج من الجنة الحكومية، حتى لو تظاهر كل الشعب السوداني ونصف الشعب الياباني وربع الشعب الصيني إلى جانب الشعب اللبناني... إضافة إلى احتجاج الـ"سريلانكيين" والأثيوبيين والهندوس والتايوان.
من المؤكد أن من صاغ الكلمة الرئاسية، حاول استدرار عطف الشارع لكنه لم يدرك مبتغاه، فظهرت كلمة رئيس الحكومة سعد الحريري قبل أيام أقرب إلى قلوب بعض المتظاهرين من الكلمة الرئاسية، التي أغفلت المتسبب الحقيقي في وصول الوضع المعيشي إلى ما وصل إليه ونزول الناس بهذا الزخم إلى الشارع.
فإلى جانب سقطة وزير الـ"6 دولار" واستفزاز "الوزير الجارف" وقبله وزير "ما حدا يسمعني صوتو"، تبقى الأزمة الاقتصادية الخانقة المحرك الأساس لخروج الناس عن المألوف في التعبير عن غضبهم، من مختلف المناطق والمذاهب والمشارب والفئات الاجتماعية... ولهذه الأزمة أسبابها السيادية التي تبدأ بقتال "حزب الله" خارج الحدود اللبنانية خلافاً لرغبة السواد الأعظم من اللبنانيين، وخلافاً لما يسمونه "النأي بالنفس" الوارد في البيان الوزاري، ولا تنتهي بالعقوبات الدولية على إيران وعلى جناحها اللبناني (حزب الله)، من دون نسيان تراجع علاقة لبنان بالدول الصديقة واهتزاز ثقة المجتمعين العربي والدولي، بسبب انحياز سلطاته الدستورية للمحور الإيراني وعجزها عن المجاهرة بتحديد مكمن الخلل الحقيقي الذي أوصل النمو إلى أدنى مستوياته.
من المؤكد أن عودة عون عن قرار مناقشة الاستراتيجية الدفاعية وإقرارها خلافاً لما جاء في خطاب القسم، فاقم المشكلة الاقتصادية وساهم في وصول الشعب إلى هذه المرحلة من الوجع، بسبب البطالة وغياب فرص العمل وانعدام ثقة المستثمر بلبنان كوطن، فيه دولة تقرر "الحرب والسلم" وجيش لا ينافسه أو يزايد عليه أحد في الدفاع عن لبنان.
المشكلة لا تختصر بتفرد "حزب الله" بالقرارات المصيرية، فهذا سلوكه قبل وصول عون إلى قصر بعبدا، لكن الخطر الذي يهدد الأمن الاجتماعي في لبنان إضافة إلى الفساد المستشري والصفقات الكبيرة وعدم محاسبة أرباب الفساد، يأتي من تناغم السلطات الدستورية مع ممارسات "حزب الله" تارةً، والدفاع عن تجاوزاته في المحافل الدولية تارةً أخرى... ومن المؤكد ان السلطة التي زرعت الريح ستحصد العاصفة، وهذا ما حصل ويحصل في الشارع اللبناني المنتفض لكرامته الانسانية بعدما بلغ الجوع أعلى مستوياته...
والسؤال الذي يجب التمعن في البحث عن إجاباته الحقيقية، "كيف انتقلت مشكلة "حزب الله" من مشكلة مع المجتمع الدولي ومع نصف اللبنانيين (جماعة 14 آذار)، إلى مشكلة حقيقية في بعلبك وصور والنبطية مع "أم علي" و"أبو حسين" وجعفر ومهدي ومعروف وعمر والياس ومارون وشربل ومتري ونقولا وساكو وغربيس وأرتين..

بشارة خيرالله - نداء الوطن - 25 تشرين الأول 2019

إرسال تعليق

 
Top