0
أطلق إقرار موازنة العام 2019 من المجلس النيابي العديد من التفسيرات الدستورية، كما كثرت القراءات والاجتهادات القانونية للمادة "80" من قانون الموازنة، التي حفظت حق الفائزين في امتحانات مجلس الخدمة المدنية، لجهة مطابقتها للدستور وتحديداً لمضمون المادة "95" منه، وبالتالي ملاءمة اعتماد التمثيل الطائفي جزئياً أو كلياً وصولاً الى المناصفة، مع مقتضيات الوفاق الوطني وكيفية تطبيقها وتوقيتها المناسب.
وما زاد في أهمية النقاش وجديّته، إقدام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على توجيه رسالة وفق صلاحياته الدستورية إلى مجلس النواب طالباً تفسير المادة "95" معطوفة على الفقرة "ي" من مقدمة الدستور.
هذا النقاش أعاد إلى الأذهان ضرورة إعادة صلاحية تفسير الدستور إلى المجلس الدستوري كما اتفق في العقد الاجتماعي المتمثل بوثيقة الوفاق الوطني (الطائف) في البند (أ-2) من الفقرة "ب- المحاكم" والتي لم ترد في المادة "19" من الدستور.
من أجل القراءة السياسية في المواد الدستورية المتعلقة بإلغاء طائفية الوظيفة العامة والمناصفة وما عرف سابقاً بـ 6 و6 مكرر، لا بد من العودة إلى قول بليغ أطلقه الرئيس شارل ديغول في مؤتمر عقده بتاريخ 31 كانون الثاني 1964 مفاده ان "الدستور هو روح ومؤسسات وممارسة".
روح الدستور
يمكن فهمها في العقد الاجتماعي والظروف التي أملته والمناقشات التي رافقت تبنيه، كذلك في مقدمة الدستور وفي فهم العديد من مواده بصورة متكاملة، كما لا بد من التعمق في التعديلات الطارئة على المواد المختصة.
إن العقد الاجتماعي كما الدستور في المادة "95" وفي مقدمته، نصّا صراحة ليس فقط على إلغاء الطائفية السياسية بل على جعلها هدفاً وطنياً وصولاً إلى عدم ذكر المذهب والطائفة على الهوية (وفقاً للطائف – غير مدرجة في الدستور )، وإلغاء قاعدة التمثيل الطائفي في الوظائف العامة وإبقاء المناصفة في الفئة الأولى فقط، في حين نصت المادة "95" نفسها قبل تعديل 1990 على تمثيل الطوائف بصورة عادلة، كذلك نصت المادة "12" من دستورنا الحالي على أن لا ميزة لأحد على آخر في تولي الوظائف العامة إلا الجدارة والاستحقاق والشروط القانونية.
كما فرض البند "ج" من مقدمة الدستور المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين.
وبالرغم من الوضوح ان لا مناصفة في وظائف ما دون الفئة الأولى، فالدستور وضع سقفاً عبر إيراد عبارة "وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني" في صلب المادة "95"، كما أشار في البند "ي" من مقدمة الدستور على ان "لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك"، وهنا ينبغي التمييز بين ماهية السلطة وماهية المؤسسة أو الإدارة.
المؤسسات
هي الركن الثاني بحسب الجنرال الديغول من أركان الدستور، والوظيفة العامة هي الركيزة الأساس للمؤسسات المؤتمنة على تطبيق الدستور والقوانين والحفاظ على مصلحة المواطنين. فالكفاءة وحدها تميز بين المرشحين لتوليها.
لا يمكن ان تكون المناصفة حجر عثرة في دوران عجلة المؤسسات والإدارة كما ان إفراغها من الكفاءات والدم الجديد وصولاً إلى الاستغناء عنها في حال تعذر وجود راغبين كفوئين من إحدى الطوائف في الانخراط بها، يوازي الجريمة في حق الوطن والشعب، لا بل إلغاء للدولة لصالح الدويلات.
والأدهى من ذلك هو مخالفة الأنظمة والقوانين التي ترعى شروط الدخول إلى هذه المؤسسات أو ضرب دور أجهزة الرقابة والمحاسبة بسبب التوازن الطائفي والإطاحة بنتائج مجلس الخدمة المدنية في التوظيف والترقيات.
وعلى سبيل المثال، هل يلغى الجيش او يخفض عدده لعدم توفر المناصفة في عداد الرتباء والأفراد، التي تشهد منذ عشرات السنين نقصاً فادحاً من المسيحيين وفروقات كبيرة داخل المذاهب المحمدية.
الممارسة
مهما كانت النصوص الدستورية واضحة فهي تتطلب حسن نية المسؤولين المولجين الحفاظ على الدستور وتطبيقه روحاً ونصاً وتمسكهم بالعدالة الاجتماعية والمساواة والإنماء المتوازن والسيادة والحريات العامة وحقوق الانسان والقيم الانسانية الحضارية وخصوصاً في لبنان الذي يرعاه نظام ديموقراطي ميثاقي يحافظ على صيغته عبر المشاركة المتساوية بين المسيحيين والمسلمين في إدارة شؤون البلاد.
يُستنتج من كل ما تقدم، ان الحلّ يكمن ليس فقط في تفسير المادة "95" بل في المضي قدماً في تطبيق الدستور الذي يصبح سهلاً ومتاحاً بعد "تحييد لبنان" واستعادة السيادة للدولة تمهيداً لإلغاء الطائفية السياسية وتصحيح قانون الانتخاب وإقرار اللامركزية الإدارية التي تسهم في طمأنة المواطنين وتحقيق العدالة الاجتماعية.
كما ينبغي الحرص على ميثاق العيش المشترك ومقتضيات الوفاق الوطني لتكريس شرعية السلطات الدستورية والقضائية والعسكرية بالاضافة الى كل ما يرتبط بالصيغة والدور الميثاقي الرساليّ للبنان، كالاجهزة الدبلوماسية والتربوية والثقافية، بالاضافة الى هيئات التخطيط والتصميم لضمان الانماء المتوازن.
واخيراً وليس آخراً، مديريات رئاسة الجمهورية ورئاستي مجلس النواب ومجلس الوزراء ومؤسسات الرقابة والمحاسبة. وهذا لا يعني اطلاقاً المناصفة في مختلف الفئات الوظيفية بل فقط في الوظائف الحساسة كمثل القوى الأمنية في عديد الضباط والمناصب القيادية. حيث تبقى اللامركزية الادارية صمام الأمان للمحافظة على مشاركة الطوائف في مختلف فئات الوظيفة العامة ضمن نطاق الوحدات اللامركزية.
هناك ضرورة ملحّة لانتهاج سياسة عامة تعزز سيادة الدولة وثقة المواطنين بمنظومة الحكم، بالاضافة الى وضع خطط توجيهية لتحفيز الكفاءات الشابة وتعديل انظمة المباريات وموادها، ما يؤدي حتماً إلى بلوغ مستويات تقارب المناصفة في مختلف الفئات الوظيفية.

الرئيس ميشال سليمان - نداء الوطن - 7 ايلول 2019

إرسال تعليق

 
Top