0
بدا المشهد الداخلي، غداة سقوط طائرتين اسرائيليتين مسيرتين في الضاحية الجنوبية لبيروت وما اثاره هذا الاستهداف ‏من احتمالات عسكرية خطيرة وتداعيات سياسية وديبلوماسية ساخنة، شديد الغموض والارباك في ظل حبس أنفاس ‏ميداني على الحدود اللبنانية الجنوبية مع اسرائيل كما في ظل استنفار ديبلوماسي وسياسي رسمي ينتظر ان يستكمل ‏في اجتماع استثنائي اليوم للمجلس الاعلى للدفاع في قصر بيت الدين. 
وأوضحت لـ"النهار" مصادر معنية بالاستنفار ‏اللبناني الرسمي الذي حتمته التطورات التي نشأت عن الخرق الاسرائيلي للقرار 1701 وتجاوز هذا الخرق الانتهاكات ‏الجوية اليومية الى تبديل معالم "الستاتيكو" القائم منذ عام 2006 والرد الذي استتبعه هذا التطور من الامين العام ‏لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله مهدداً بمواجهة مفتوحة من لبنان تحديداً، أن المعطيات التي ظهرت من خلال ‏الاتصالات والتحركات الديبلوماسية السريعة التي أجريت أمس أبرزت تناقضاً واسعاً بين التقديرات التي يمكن ان تتجه ‏عبرها التطورات‎.‎
فمن جهة لا تزال احتمالات التصعيد قائمة في ظل مضي اسرائيل في استهداف مواقع في لبنان ضمن بنك أهدافها ‏الاقليمي المتسع أخيراً من سوريا الى العراق فلبنان وكان آخر اعتداءاتها فجر أمس على المواقع الفلسطينية في قوسايا ‏بالبقاع الاوسط، كما ان الوضع المشدود على الحدود الجنوبية وفي الاجواء اللبنانية لا يزال يحمل سحب الاخطار ‏والاحتمالات التفجيرية في أي لحظة. 
وفي المقابل، ثمة معطيات ديبلوماسية دولية واقليمية برزت في الساعات ‏الاخيرة عن احتمالات تبريد المواجهة الاميركية - الايرانية في المنطقة من شأنها ان تقلل احتمالات التصعيد أو تبقيه ‏ضمن اطر محدودة بما يبرر اندفاع الجهود الديبلوماسية اللبنانية في الساعات الاخيرة نحو الحصول على ادانة من ‏مجلس الامن للخرق الاسرائيلي للضاحية ووقف الاستهدافات الاسرائيلية المماثلة تجنباً لتدهور أوسع وأشد خطورة‎.‎
ومع ذلك، فان وتيرة المواقف الرسمية اختلفت في التعبير عن اتجاهات الدولة كلاً من المجريات الاخيرة. وظهر ذلك ‏خصوصا في موقف لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون ذهب فيه الى حدّ اعتبار ما جرى اعلان حرب اسرائيلية ‏على لبنان تبيح له الرد بمختلف الوسائل. ورأت مصادر معنية أن موقف الرئيس عون قد يكون نابعاً من رغبته في ‏احتواء أي تدهور، ولذا تجاوز بعض ما اعلنه نصرالله نفسه من منطلق الضغط على الامم المتحدة والدول النافذة ‏لحضها على لجم اسرائيل في مقابل وقف أي تصعيد من جانب "حزب الله". ‎ ‎
وقد أبلغ الرئيس عون الممثل الخاص للامين العام للامم المتحدة في لبنان يان كوبيتش ان "لبنان الذي تقدم بشكوى الى ‏مجلس الامن رداً على العدوان الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية من بيروت، يحتفظ بحقه في الدفاع عن نفسه لان ما ‏حصل هو بمثابة إعلان حرب يتيح لنا اللجوء الى حقنا في الدفاع عن سيادتنا واستقلالنا وسلامة أراضينا". وأضاف: ‏‏"سبق لي أن كررت امامكم ان لبنان لن يطلق طلقة واحدة من الحدود ما لم يكن ذلك في معرض الدفاع عن النفس، وما ‏حصل أمس يتيح لنا ممارسة هذا الحق". وأعرب عن "خشيته أن تؤدي اعتداءات إسرائيل الى تدهور في الأوضاع، ‏خصوصاً اذا ما تكررت ووضعت لبنان في موقع الدفاع عن سيادته، اذ لا نقبل ان يهددنا احد بأي طريقة، علما اننا ‏شعب يسعى الى السلام وليس الى الحرب". 
الحريري والسفراء
في غضون ذلك، أبلغ رئيس الوزراء سعد الحريري سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن أنه دعاهم ‏إلى الاجتماع "نظراً الى خطورة الموقف، بعد قيام إسرائيل بخرق واضح للسيادة اللبنانية وللقرار 1701، واستهدافها ‏منطقة مدنية مأهولة، دون أي اعتبار للقانون الدولي أو أرواح المدنيين". 
وقال: "إن الحكومة اللبنانية ترى أنه من ‏المصلحة تفادي أي انزلاق للوضع نحو تصعيد خطير، ولكن هذا يحتاج إلى إثبات المجتمع الدولي رفضه لهذا الخرق ‏الفاضح لسيادتنا وللقرار 1701؟. 
وقال الرئيس الحريري للسفراء إن لبنان سيقدم شكوى رسمية إلى مجلس الأمن في ‏شأن ما حصل، و"من المهم جداً أن تحافظ دولكم على التوافق الموجود بينكم للحفاظ على الأمن والاستقرار في لبنان ‏والمنطقة، لأن أي تصعيد قد يتطور إلى دورة عنف إقليمية لا يمكن أحداً التنبؤ بالمدى الذي ستبلغه". ‎ ‎
وشدّد على أنه "يجب تحميل إسرائيل المسؤولية عن خروقاتها المتواصلة للقرار 1701 منذ العام 2006، وكذلك ‏يجب أن تُحمّل مسؤولية الاعتداء الفاضح على ضاحية بيروت، مع علمها المسبق بأن من شأن ذلك تهديد التوازن القائم ‏والذي حافظ على أمن الحدود الدولية منذ 13 عاماً". ‎ ‎
وختم الرئيس الحريري بأن المجلس الأعلى للدفاع سيعقد اجتماعاً بعد ظهر اليوم لمناقشة تطورات الوضع ككل، متمنياً ‏على الحضور البقاء على تواصل مستمر لمتابعة مجريات الأمور‎.‎
‎ يشار الى ان عون والحريري اتفقا على عقد اجتماع المجلس الاعلى في الخامسة عصر اليوم في قصر بيت ‏الدين‎.‎
‎ وأبدى رئيس مجلس النواب نبيه بري ارتياحه الى مجموع المواقف اللبنانية التي صدرت في الرد والتعليق على ‏الاعتداء الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية قائلاً "يمكن التعويل إيجابا على مثل هذه المواقف الوطنية والمعبرة".‎ ‎
واعتبر أن "إسرائيل كانت تعمل على تنفيذ عملية اغتيال في الضاحية" من غير أن يكشف اسم الشخصية المستهدفة‎.‎
‎ وكان الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان قد بحث مع بري في الاعتداء الأخير على الضاحية. ‏واستوضح رئيس المجلس اذا كان "حزب الله" سيرد على هذه العملية. ولم يجب بري عن هذا الاستيضاح وقال: "هل ‏يمكن صدور موقف من مجلس الأمن يدين هذا الاعتداء الصريح والخارق للسيادة اللبنانية".‎ ‎
ودعت الامم المتحدة أمس "كل الاطراف الى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس" بعد هجوم بطائرات من دون طيار ‏على معقل لـ"حزب الله" في جنوب بيروت، نسبت مسؤوليته الى اسرائيل. وصرح الناطق ستيفان دوجاريك بأن الأمم ‏المتحدة غير قادرة على تأكيد التقارير عن الحادث، وهو الأحدث في سلسلة الهجمات التي تم الإبلاغ عنها في المنطقة ‏في الأيام الأخيرة‎.‎
‎ وأضاف أن "الأمم المتحدة تدعو الأطراف إلى ممارسة أقصى درجات ضبط النفس في التحرك والخطابات. من ‏الضروري للجميع تجنب التصعيد والتزام قرارات مجلس الأمن ذات الصلة".‎ ‎
وأوضح ان الأمم المتحدة "أخذت علما" بتصريحات رئيس الجمهورية اللبنانية الذي ندد بالهجوم باعتباره "إعلان ‏حرب". ‎ ‎
وأشار دوجاريك الى أن الامين العام للامم المتحدة انطونيو غوتيريس تلقى أيضاً رسالة من الحكومة اللبنانية في هذا ‏الموضوع‎.‎
‎ الحدود‎
اما على الصعيد الميداني، فرصدت أمس حركة مستمرة لطائرات استطلاع اسرائيلية في اجواء النبطية وقرى اقليم ‏التفاح وقضاء مرجعيون كما في اجواء مدينة بعلبك وضواحيها. أما على الحدود الجنوبية، فاختفت تقريباً حركة ‏الدوريات الاسرائيلية الراجلة والمؤللة، فيما تمركز الجنود الاسرائيليون داخل مواقعهم المحصنة على طول الخط ‏الازرق. وفي المقابل، قام الجيش اللبناني والقوة الموقتة للأمم المتحدة في لبنان "اليونيفيل" بدورياتهما المشتركة ‏كالمعتاد‎.‎
‎ وأمس شيّع "حزب الله" في مأتم حاشد في الضاحية الجنوبية ياسر ضاهر وحسن زبيب اللذين قتلا في غارة اسرائيلية ‏في سوريا‎.‎
‎ على صعيد آخر، وبالنسبة الى الطاولة الاقتصادية التي ستعقد في قصر بعبدا في 2 أيلول المقبل، علمت" النهار" أن ‏اتصالا في شأنها جرى بين الرئيس بري ورئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع من دون حسم مشاركة الاخير ‏أو تكليفه أحد نواب تكتله "الجمهورية القوية" تمثيله في اللقاء. ومن المقرر أن يشارك رؤساء الكتل النيابية في هذه ‏الطاولة. وسيمثل نواب "اللقاء التشاوري" النائب جهاد الصمد‎.

النهار - 27 اب 2019

إرسال تعليق

 
Top