0
مساران مختلفان برزا في الساعات الماضية، في وقت بقي الاستنفار في منطقة الجبل على حاله، مع أنّه لم تسجّل حالات احتكاك، انما تكرّر مشهد قطع الطرقات الدولية وحرق الإطارات من جهة بعلشميه.
ثمة مسار يعمل على تطويق الأجواء المتوترة في منطقة الجبل بعد حادثة قبرشمون ومقتل مرافقي الوزير صالح الغريب، من خلال تأمين الطريق إلى معالجة وافية، قضائياً وأمنياً وسياسياً، بما يعيد الإعتبار لمنطق المصالحة المسيحية الدرزية في الجبل، بعيداً من الإستفزاز والإستفزاز المضاد، وفي ظلّ تأكيد واضح من رئيس "الحزب التقدمي الإشتراكي" وليد جنبلاط لـ "نداء الوطن" أنّه "مع أن يأخذ القضاء مجراه"، في حين تتردّد في أوساط "الإشتراكي" حالياً مقولة "إما مجلس عدلي على الجميع، وإما قضاء عادي على الجميع".
أما المسار الثاني فهو يعمل، لا على تطويق الحادثة وتداعياتها، إنما على استكمال عملية التطويق السياسية والأمنية في آن لزعامة جنبلاط، حيث تذهب السكرة بالبعض إلى اعتباره بحكم "المنتهي سياسياً" أو يجري العمل على إنهائه سياسياً. وينخرط في هذا المسار، بطبيعة الحال، أخصام جنبلاط الموالون لنظام دمشق على الساحة الدرزية، الذين يعوّلون كثيراً على بطء عملية التوريث في البيت الجنبلاطي، وفريق وزير العهد جبران باسيل الذي يتعامل مع حالة جنبلاط على أنّه "المتمرّد على العهد" بامتياز.
بيدَ أنّ انخراط "حزب الله" في المسار التطويقي لجنبلاط هو الذي أعطى في الآونة الأخيرة زخماً أكبر لهذا المسار. لقد ساءت علاقة جنبلاط بـ "حزب الله" هذا العام بشكل متفاقم، ولم تفلح كل محاولات تبريد الأجواء في وقف التردّي الحاصل على هذا الصعيد. ويشرح متابعون أنّ الحزب يتهم جنبلاط بأنه "ناكر للجميل في الإنتخابات الماضية"، حيث تخلّى الحزب عن دعم وئام وهاب، المرتبط مباشرة بدمشق، وآثر المساهمة في تعويم الحالة الجنبلاطية مجدّداً، رغم مثابرتها على الموقف العدائي من نظام بشار الأسد. ويظهر أن حساسية "حزب الله" عالية جداً تجاه تصريحات متسلسلة لجنبلاط، بدءاً من كلامه التشكيكي بلبنانية مزارع شبعا، ووصولاً إلى الإشكال حول معمل الإسمنت في عين داره الذي ينظر اليه رئيس "الإشتراكي" على أنّه تحوّل لبؤرة أمنية للمرتبطين مباشرة بالنظام السوري، بمؤازرة من "حزب الله". وسبق لجنبلاط أن اعتبر أنّ "البلد كلّه مستباح لخدمة الممانعة، من الكسارات فصاعداً"، وكانت عين داره مسرحاً لاشتباك عنيف قبل أسبوعين.
وهكذا، بعد أن كان "حزب الله" يتحفّظ في وقت سابق على الخطاب التصادمي للوزير باسيل حيال جنبلاط، ويترك مسافة مع وهاب كما في أعقاب حادثة الجاهلية، يوم أدّى الحزب دوراً أقرب إلى دور الوسيط، فقد حرص هذه المرة على إظهار تضامنه الكامل مع النائب طلال أرسلان والوزير صالح الغريب، فجاءت في هذا الإطار كلمة وزيره محمود قماطي من خلدة مساء أمس الأول أنّ "عصر الميليشيات والمناطق المغلقة ولّى"، بكل مفارقات التعبير بالنسبة إلى حزب يمتلك ترسانة مسلحة ضخمة خارج كنف الدولة ويمارس نفوذه المحكم على مناطق شبه مقطوعة له. مع هذا، تنبّه مصادر متابعة إلى أنّ ما يريده الحزب من تطويق جنبلاط هو عودته إلى التفاهم المبرم معه في أعقاب هجمة 11 أيار 2008 التي قام بها الحزب في الجبل. لأجل هذا، يظلّ الحزب بمنأى عن المساعي التي يبذلها العونيّون لتصوير ما حدث نهار الأحد على أنّه "محاولة اغتيال لباسيل"، أو لتصوير أرسلان ما حدث على أنّه "محاولة اغتيال للغريب".
ولا يتردّد فريق باسيل في "نبش القبور" تارة، وفي التهديف على الحجم الديموغرافي للطائفة الدرزية تارة أخرى، أي يستخدم حيال الدروز الحجة "العددية" نفسها التي تستخدم ضد المسيحيين. وفي هذا الإطار، أكّد الوزير اكرم شهيب لـ"نداء الوطن" ان "خطاب باسيل طائفي وعنفي ولا يبني وطناً ولا يحمي مؤسسات ولا يحفظ شراكة. نحن تحت سلطة القانون لكننا لن نقبل بالتمييز في تطبيقه ولن نسكت عن الاستفزاز. وكل محطات الحرب التي حاول باسيل اثارتها في خطاباته دفنّاها الى غير رجعة مع المصالحة برعاية بكركي". كذلك شدّد النائب مروان حمادة لصحيفتنا على أنّ مناخ المصالحة "تمثله الأغلبية الساحقة من المسيحيين في الجبل ولن يستطيع باسيل زعزعته رغم محاولاته المدعومة من النظام السوري ومن قوى ما يسمى بالممانعة في لبنان".

الحريري
ويبدو في المقابل أن أكثر ما استفزّ جنبلاط تخوّفه من انضمام رئيس الحكومة سعد الحريري بشكل أو بآخر إلى عملية تطويق شاملة له، وخصوصاً في أعقاب لقاء الساعات الخمس بين الحريري وباسيل، وما تناهى إلى جنبلاط عن التوافق بين الرجلين على اعتماد "مثالثة" في التعيينات الدرزية بين كل من جنبلاط وأرسلان ووهاب. لأجل هذا، العمل جار الآن على قدم وساق لتبديد هذا المناخ، و"شق الطريق" إلى لقاء بين جنبلاط والحريري في أقرب وقت. وفي سياق متصل، استقبل الحريري الوزير وائل أبو فاعور في السراي الحكومي عصر أمس.

الدفاع
في غضون ذلك، انعقد أمس المجلس الأعلى للدفاع في بعبدا وقدم المدير العام لقوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان تقريراً مفصلاً ودقيقاً عن الاحداث. وخلص المجلس إلى وجوب "توقيف جميع المطلوبين"، في ظل جو مشحون ضد جنبلاط وحملة عليه من باسيل، فيما بدا الحريري أشبه بمن يحاول السير بين الالغام.
ويُنتظر اليوم أن يقاس مستوى التهدئة على طاولة مجلس الوزراء في السراي الحكومي، علماً أن جدول الأعمال عادي، وتغيب عنه التعيينات التي بات مصيرها على المحك بعد التوتر السياسي بين أطراف الحكومة.

نداء الوطن - 2 تموز 2019

إرسال تعليق

 
Top