0
وجّهت رئاسة مجلس الوزراء دعوة لجلسة حكومية يوم أمس، فأتى تأجيلها من "المقر الرديف" لرئاسة مجلس الوزراء، أي وزارة الخارجية والمغتربين. التقى الوزير جبران باسيل، بوزراء تكتل لبنان القوي في قصر بسترس، في الوقت عينه المخصص لاجتماع الحكومة، ليُعلن أنّ "الأمر لي" و"هذه الحكومة لي". لم يلفظ وزير الخارجية هذه الكلمات، لكن أداءه أثبتها. هي رسالة سياسيّة إلى سعد الحريري أولاً، وكلّ القوى السياسية الأخرى ثانياً. كذلك فإنّه قرارٌ باسيلي، بموافقة 8 آذار، بمنع عقد أي جلسة لمجلس الوزراء قبل حلّ قضية قبرشمون.
قرار الحكومة برئاسة سعد الحريري، ليس إلا بين يدَي وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل. مرّة جديدة، يُعيد رئيس التيار الوطني الحرّ تذكير "شركائه" المفترضين في التسوية والحُكم، بأنّه ليس مُجرّد وزيرٍ في مجلس الوزراء، ولا فقط أقوى رجلٍ في عهد الرئيس ميشال عون، والمُرشح الأبرز لرئاسة الجمهورية، بل إنّه فوق كلّ ذلك، أحد أقوى حكام البلد، محوّلاً قصر بسترس (مقرّ وزارة الخارجية والمغتربين)، إلى واحد من مقارّ المرجعيات. جبران باسيل عطّل أمس انعقاد جلسة مجلس الوزراء في السرايا الحكومية، بعد أن قرّر أن يعقد اجتماعاً لوزراء "تكتل لبنان القوي" في التوقيت نفسه لجلسة الحكومة. الحادية عشرة والنصف من قبل ظهر أمس، وصل وزير السياحة أفيديس كيدانيان إلى السرايا، قبل أن يُتَّصل به، ويُطلب منه الانضمام إلى زملائه في قصر بسترس. ولم يظهر وزراء "لبنان القوي" في مقرّ الرئاسة الثانية إلا بعد مضي قرابة ساعتين. مسار جلسة أمس، التي لم تنعقد، لا يوصل إلّا إلى نتيجة أنّ "الأمر لباسيل"، وذلك بعيداً عن رغبة الحريري الدائمة في الإيحاء لجمهوره والرأي العام بأنّ شؤون سلطته التنفيذية تقع تحت سيطرته وحده. رئيس الحكومة أعلن أمس أنّه بسبب حاجتنا إلى "48 ساعة لتنفيس الاحتقان، ولكي يأخذ القضاء مجراه، قرّرتُ تأجيل الجلسة... تكتل لبنان القوي لم يشأ تعطيل الجلسة، إنّما أنا ارتأيت تأجيلها". إذا كان الحريري صادقاً، فلماذا حدّد جلسةً حكومية، ووزّع الدعوات، إذا كان أصلاً ينوي تأجيل الجلسة إلى "موعد يُحدد لاحقاً"؟ لماذا لم يؤجلها ريثما يُحلّ الخلاف الدموي بين الحزبين التقدمي الاشتراكي والديمقراطي اللبناني؟ ببساطة، لأنّ الحريري لم يكن ينتظر "اجتماعاً حكومياً" مُصغراً في قصر بسترس. وأمام "بشاعة" الحدث، في الشكل، فضّل أن يظهر أمام الصحافيين، مُتبنياً قرار إرجاء موعد الجلسة.
خطوة باسيل هدفها الأساسي، بسط سيطرته على مسار مجلس الوزراء، ولكنّها تحمل أبعاداً أخرى. فواحد من مآخذ رئيس "التيار"، على الدعوة إلى جلسة حكومية، أنها جرت قبل نزع فتيل الانفجار بين الوزيرين صالح الغريب وأكرم شهيب، والتوصل إلى حلّ لإشكال قبرشمون، ولا سيّما أنّه لم يكن خلافاً على أفضلية مرور، بل حادث إطلاق النار على موكب وزيرٍ، أدّى إلى وفاة اثنين من مرافقيه، وجرح الثالث، إضافةً إلى جرح شخص محسوب على الاشتراكيين. لذلك، كان "ضربَ جنون" الدعوةُ إلى جلسة، احتمال أن تُسهم في خلق المزيد من الحساسيات وتصعيد التوتر، مرتفع جدّاً. وفي هذا الإطار، تقول مصادر مطلعة في 8 آذار إنّ "الهدف من عدم حضور الجلسة لم يكُن التعطيل، بل الإنتظار إلى حين تنفيس الإحتقان، إذ ليس من المنطقي عقد جلسة والدم لا يزال على الأرض والقتلى لم يدفنوا". وأشارت المصادر لـ"الأخبار" إلى أنّ "القرار أتى بعد أن اتصل باسيل بالنائب طلال أرسلان الذي وافق على عدم الحضور، كذلك حزب الله الذي أيّد عدم عقد الجلسة منعاً لأي اصطدام بين الغريب وأكرم شهيب ووائل أبو فاعور، ولأن جنبلاط لم يكن بعد قد سلّم أياً من المطلوبين للأجهزة الأمنية". وأكدت المصادر أنّ ما حصل "لا يستهدف الحريري ولا صلاحياته، بل يُساعده لنزع فتيل التفجير من داخل مجلس الوزراء، حيث هناك نقطة حساسة وهي الخلاف على إحالة حادث الأحد على المجلس العدلي". على الرغم من ذلك، كان رئيس الحكومة "مستاءً جدّاً من طريقة تعامل باسيل معه"، بحسب ما تؤكد مصادره. وتُضيف أنّ الحريري "أظهر غضباً عارماً خلال تواصل بعض القوى السياسية معه". ولمّحت المصادر إلى أنّ باسيل، ربما كان يهدف من خلف تأجيل جلسة أمس "إلى عقد جلسة برئاسة عون في بعبدا، ربما للقول إنّ الأمر لبعبدا وله، في كل شيء". وتساءلت مصادر رئيس الحكومة إن كان باسيل "سيُقاطع الجلسة لو انعقدت برئاسة عون، بحجة أنه يريد تسجيل موقف مما حصل؟".

الأخبار - 3 تموز 2019

إرسال تعليق

 
Top