0
في خضم الازمات المتناسلة والمتفاقمة، يبدو البلد منزلقا الى مزيد من التعقيدات، في ظل ما يقبل عليه بعض الفريق الحاكم من خطوات تزيد مروحة الشكوك والاعتراضات. واذا كان الوزير سليم جريصاتي، كما أفادت مصادر قريبة منه، نقل عن رئيس مجلس النواب نبيه بري ترحيبه بالرسالة التي ينوي رئيس الجمهورية ميشال عون توجيهها الى المجلس لتفسير المادة 95 من الدستور وفقاً لما تنص عليه صلاحياته، فان الترحيب الشكلي لا يعبر عن القلق الذي ينتاب بري من ان تكون الرسالة فاتحة للدعوة الى تعديلات دستورية تقابل بتعديلات أخرى، ما يطيح اتفاق الطائف، أو يدخل البلاد في دوامة من الصراعات والمطالب والشروط المتقابلة. في المقابل، تبدي رئاسة الحكومة مع رؤساء الوزراء السابقين حذراً حيال "انقلاب على الطائف" يعيد عقربي الساعة الى الوراء. وقد عبر عن الامر امس النائب السابق محمد قباني عندما طالب الرئيس بري بـ"الانتقال باتفاق الطائف والسير به الى الامام وليس الى الوراء".
وقد حاولت القمة الروحية التي انعقدت أمس في دار الطائفة الدرزية في فردان اضفاء مسحة جامعة على اللبنانيين عندما أكدت التمسك بما سمته ثوابت الطائف، واعتبرت ان "الوحدة الوطنية التي نشأت بين العائلات الروحية اللبنانية تشكل الأساس الضامن لبناء لبنان الغد". ورأى المجتمعون "ان المطلوب إزاء التحديات المزيد من الوعي والتضامن الوطني لتجاوز المخاطر التي تتضاعف في ظل ما يحاك من مشاريع ومخططات تستهدف إعادة رسم خريطة المنطقة"، مشددين على ان "عمل الحكومة حاجة للاستقرار والنهوض الاقتصادي، وندعو الى ايجاد الحل المناسب والسريع لتستعيد البلاد حياتها الطبيعية".
ومن المنتظر ان يوجّه رئيس الجمهورية رسالة الى مجلس النواب من اجل توضيح المادة 95 من الدستور التي تنص على الغاء الطائفية السياسية والتي لم تطبّق بعد، كخطوة اعتراضية أولاً، هدفها محاولة حسم الجدل الدائر باستمرار حول طائفية الوظائف. وفي الوقت نفسه، يوقع الرئيس ميشال عون وينشر قانون الموازنة مع قانون امهال الحكومة ستة اشهر لتقديم قطوعات الحسابات المالية.
وأوضحت مصادر مقربة من رئاسة الجمهورية أن توجيه رئيس الجمهورية رسالة الى مجلس النواب اجراء في صلب صلاحياته المنصوص عليها في الدستور. فمن وجهة نظره، ثمة خلل شاب الموازنة في الفقرة المضافة الى المادة 80، وعلى رغم ذلك فإنه ليس في وارد رد الموازنة أو الطعن فيها، لكن المادة 95 من الدستور التي يفسّرها البعض في شكل خاطئ في مثل هذه الحالات يجب أن توضّح في مجلس النواب. وإلى أن تطبق المادة 95 يجب الحفاظ على مقتضيات العيش المشترك، والمناصفة والتوازنات الطائفية في البلد.
ورئيس الجمهورية الذي أوفد الوزير سليم جريصاتي، الى عين التينة، توافق مع رئيس المجلس على الخطوات التي ينوي القيام بها. ونقل جريصاتي أيضاً من الرئيس بري الى الرئيس عون، أفكاراً لم يكشفها. الا أنه علم ان الرئيس بري أبدى كل ايجابية حيال الرسالة الرئاسية كما حيال اقتراح القانون المعجل المكرر الذي ينوي "تكتل لبنان القوي" تقديمه مع حلفائه من أجل شطب الفقرة المضافة الى المادة 80 في الموازنة، والتي نصت على انه "يحفظ حق الناجحين في المباريات والامتحانات التي أجراها مجلس الخدمة المدنية بناءً على قرار مجلس الوزراء وأعلنت نتائجها حسب الأصول بتعيينهم في الإدارات المعنية".
واستغربت المصادر لحظ هؤلاء الفائزين في مجلس الخدمة وعددهم لا يتجاوز الاربعمئة، فيما أكثر من 800 فازوا في دورة الجمارك وجمّد توظيفهم غير ان يحفظ حقهم، كذلك لم يحفظ حق من فازوا في مباراة الكتاب العدول حيث التوازن الطائفي قائم.
وأضافت ان الشراكة الوطنية الحقيقية يجب ان تقوم على التكافؤ والتوازن بين الشريكين على كل المستويات. وهذا هو المنطلق الذي يفترض ان يكون تكريساً لاتفاق الطائف وللدستور الذي أنتجه الطائف، وتالياً لا يمكن القول ان رئيس الجمهورية يسعى الى تجاوز الطائف لأن ما يقوم به هو من صلب الطائف ومن يتجاوزه هو من يحاول تفسير نصوصه على هواه.
على صعيد آخر، عاود المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابرهيم، العائد من الدوحة، مبادرته لحلحلة الازمة الحكومية، بلقاء النائب طلال ارسلان، ورئيس الوزراء. كما استقبل الاخير رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، لاستكمال المشاورات الجارية لايجاد حل لقضية حادثة البساتين.
وكان لافتًا موقف كتلة "المستقبل" لجهة صلاحيات رئيس الوزراء، اذ دعت في بيانها إلى "التوقف عن توجيه الرسائل المشروطة لرئاسة مجلس الوزراء، التي نؤكد للمرة الألف انها الجهة الوحيدة المعنية حصراً بدعوة المجلس الى الإنعقاد، والمسؤولة عن اعداد جدول الاعمال واطلاع فخامة رئيس الجمهورية عليه وإن أي دعوة من أي جهة سياسية لفرض بنود على جدول الاعمال هي من خارج السياق الدستوري والقانوني وتقع في نطاق عرقلة العمل الحكومي".

النهار - 31 تموز 2019

إرسال تعليق

 
Top