0
تجمعت في سماء لبنان جملة من المعطيات، التي قد يكون لها مضاعفاتها على تطورات الوضع الداخلي. ففي الوقت الذي كانت تتفاعل فيه تصريحات رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، سواء عبر الموقف الذي أعلنه النائب نهاد المشنوق من دار الفتوى أو ما تردَّد عن ردود غداً لباسيل، من خلال جولة له في قضاء بعبدا، جاءت مواقف الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله، ليل أمس، في احتفال بمناسبة يوم القدس الذي شهد عرضاً عسكرياً رمزياً لوحدة القدس في الحزب تضع فيه على الطاولة سلسلة من المواقف التي وصفت «بالتصعيدية»، فانتقد موقف الوفد الرسمي اللبناني في القمة العربية بأنه لا ينسجم مع البيان الوزاري، ومخالف لتعهدات الحكومة اللبنانية، والتي أخذت عبره الثقة، مؤكداً ان موقف الوفد اللبناني مرفوض ومُدان ولا يمثل لبنان، وهو يمثل الأشخاص والاحزاب التي ينتمي إليها هؤلاء الاشخاص».
واعتبرت مصادر سياسية ان السيّد نصر الله كان يرد في هذا الموقف، على ما أعلنه الرئيس سعد الحريري في كلمته امام القمة العربية: «اننا ندين أشدّ إدانة الاعتداءات التي تعرّضت لها دولتا الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وندعو إلى أوسع تضامن عربي في مواجهتها».
اشتباك التيارين
إلى ذلك، بدا واضحاً ان الاشتباك السياسي بين التيارين الأزرق والبرتقالي، والذي دارت وقائعه بين مقر المحكمة العسكرية في المتحف ودير دنوب في البقاع، وصولاً إلى دار الفتوى، لم يكن فقط على خلفية قرار المحكمة العسكرية بتبرئة المقدم سوزان الحاج من تهمة فبركة ملف الفنان زياد عيتاني بالتعامل مع إسرائيل، ولا رداً على ما قاله رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل في البقاع حول صعود السنيَّة السياسية على جثة المارونية السياسية، وعودته إلى نغمة استعادة الحقوق في افطار البترون، ولا كون قرار المحكمة رسالة سياسية إلى شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي، في سياق الكباش بين مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس والمدير العام اللواء عماد عثمان على خلفية ملف الفساد، بل هو أبعد من ذلك، رغم ان كل هذه الوقائع صحيحة، وساهمت في صعود الخلاف إلى السطح، وهو يتصل بملف الصراع على الصلاحيات الرئاسية، بدءاً من تشكيل الحكومة إلى إقرار الموازنة، نتيجة وجود رؤية معينة لدى التيار العوني، لا تعترف اساساً باتفاق الطائف، الذي أرسى نوعاً من توازن سياسي في البلد، انطلاقاً من توزيع الصلاحيات الدستورية بين الرئاستين الأولى والثالثة.
ولعل المواقف التي أطلقها عضو كتلة «المستقبل» النيابية النائب نهاد المشنوق من دار الفتوى، أضاءت بشكل كامل على حقيقة ما يجري بين التيارين، وان كان حمّل الرئيس سعد الحريري جزءاً من المسؤولية، بعدما اتهم الوزير باسيل بالاعتداء على الطائف وعلى الصلاحيات وتجاهل دور رئاسة الحكومة وحقوق أهل السنّة، مؤكداً ان هذه الاعتداءات لا تأخذ البلد إلى أمن سياسي ولا إلى أمن أهلي ويجب ان تتوقف وهذا أوّل الكلام.
ولفت المشنوق إلى انه تفاهم مع مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، على ان استمرار الأمور على ما هي عليه ليس في صالح لبنان، ولا بدّ من إعادة النظر في كل وسائل التفاهم أو التسويات أو التحالفات القائمة، والتي لم توصل الا إلى مزيد من انهيار التوازن السياسي في البلد.
وشدّد المشنوق على ان رئاسة الحكومة هي مركز توزيع السلطات في لبنان، وليست مجلس إدارة هلوسات أي فريق سياسي، ايا كان هذا الفريق، وهذه مسألة لا بدّ من حسمها من قبل المعنيين بها لوقف هذا التمادي بشكل أو بآخر، مشيراً إلى ان الأمور وصلت إلى مكان لا يجوز السكوت عنه، مؤكداً ان لا حقوق لأي طائفة في لبنان خارج الدستور.
وإذ لم يشر المشنوق إلى التسوية الرئاسية التي جاءت بالرئيس ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، لكنه دعا إلى إعادة النظر بالتحالف السياسي، والذي قال انه كان من أوائل العاملين على تحقيقه وبقواعده وأسسه من الطرفين، وإلا فنحن نعرض البلد ونعرض الذين تمثلهم دار الفتوى لازمة لن نعرف إلى أين ستوصل، لافتاً إلى ان السكوت عن هذا الكلام وخلق تسويات يومية وظرفية تحت شعار التضحية، لم يعد يجوز، «لأن عيد الأضحى يكون مرّة في السنة، وليس كل أيام السنة عيد الأضحى ولا كل يوم هناك عيد الاضحى».
وعن قضية الحاج- غبش، اعتبر المشنوق «ان القرار جاء نتيجة تدخلات سياسية وزيارة قام بها وزير الى المحكمة العسكرية للوصول الى الحكم الذي لا نفهم لا اوله ولا آخره ولا نفهم تراجع المدعي العام وهذا يُعرّض كل النظام القضائي في البلد لمشكل لا نعرف اين سينتهي لان القضاء جزء اساسي لحماية حقوق الناس». وأشار إلى أن «التصرف الذي حصل داخل المحكمة العسكرية مخالف لكل القوانين».
قرار المحكمة العسكرية
وفي سياق ردود الفعل على قرار المحكمة العسكرية، غرد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع لافتاً إلى ان نزع صورة الفساد عن لبنان تلقت ضربة قاسية وموجعة ومؤلمة جرّاء احكام قضائية بخلاف كل الحقيقة والوقائع والمنطق. وسأل: «كيف للآخرين ان تكون لهم ثقة بمؤسسات الدولة في ظل احكام من هذا النوع».
اما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط فغرد بدوره، متسائلاً: «كيف يُمكن وصف الحالة التي تسود في القضاء في ظل استمرار مسرحية عيتاني- الحاج؟»، لافتا إلى ان «من في السلطة يصفي حساباته مع من وكل يستخدم جهازه الأمني الخاص في وجه الآخر؟ ومن نصدق وسط غابة الذئاب؟».
وأضاف لاحقا ان «مسرحية عيتاني- غبش- الحاج تذكرني بمسرحية خليل صحناوي الذي اتهم بالعمالة ثم أطلق سراحه بعد عذاب مرير، لأنه هو أيضاً ضحية صراع الأجهزة وصراع النفوذ وصراع المصالح بين المتربعين على السلطة، لكن من يحمي المواطن العادي؟».
ومن جهته، نعى الوزير السابق اللواء اشرف ريفي المحكمة العسكرية مثلما كان نعاها عندما كان وزيراً للعدل بعد صدور الحكم المخفف على ميشال سماحة، مؤكداً انه لم يفاجأ بالحكم، لأن هذه المحكمة على الرغم من وجود قضاة وضباط نقدر عملهم، أثبتت انها أداة بيد السلطة.
تجدر الإشارة، إلى ان تداعيات الحكم تفاعلت قضائياً أيضاً، حيث أفادت «الوكالة الوطنية للاعلام» الرسمية ان مفوض الحكومة لدى محكمة التمييز العسكرية القاضي غسّان الخوري طلب ايداعه ملف المقدم الحاج، فوصله الجواب خطياً، بأن الملف لدى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس الذي يبدو انه ممتنع عن ارساله إلى محكمة التمييز، علماً ان نقض الحكم من قبل التمييز العسكرية يُعيد المحاكمة مجدداً، بحيث يعتبر الحكم كأنه لم يكن.
وكشفت معلومات ان القاضي هاني الحجار طلب نقله من النيابة العامة العسكرية اعتراضاً على ما اسماه تجاوزات, فيما كان لافتا نشر المؤسسة اللبنانية للارسال L.B.C تسجيلات للرسائل الهاتفية بين المقدم الحاج والمقرصن ايلي غبش، مما ينفي ما ادعته الحاج خلال التحقيق معها أنها كانت تعمل على «قردفته» ولا تتعاون معه.
التوظيف العشوائي
تزامناً، ووفقاً لما اشارت إليه «اللواء» أمس، اخترق المشهد السياسي القضائي، إصدار النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة برئاسة القاضي فوزي خميس يعاونه القاضي بسام وهبه، 17 قرارا تناولت مسألة التوظيفات والتعيينات التي جرت في الادارات والمؤسسات العامة بعد صدور القانون رقم 46 تاريخ 21/8/2017، الذي حظر في المادة 21 منه التوظيف بمختلف أشكاله الا بموافقة مجلس الوزراء وبعد تحقيق تجريه ادارة الابحاث والتوجيه في مجلس الخدمة المدنية. وتم الادعاء قضائيا في أربعة ملفات أحيلت الى الغرف المختصة في ديوان المحاسبة, أبرزها الادعاء على رئيس هيئة «اوجيرو» عماد كريدية وملاحقته لامتناعه عن ايداع النيابة العامة للديوان المستندات والايضاحات المطلوبة، فيما صدر 13 قراراً قضت بحفظ الأوراق لعدم حصول مخالفة قانونية.
وشمل الادعاء إلى جانب «أوجيرو» التي اتهمت بتوظيف 453 موظفاً، كلاً من مديرية الحبوب الشمندر السكري (موظفان) وزارة الثقافة (3 موظفين) ومديرية اليانصيب الوطني (4 موظفين).
وأوضح القاضي خميس ان صلاحيات ديون المحاسبة تقف عند حدود المدير العام، ولا صلاحية له بملاحقة الوزراء المخالفين لقرار الحكومة بوقف التوظيف في الإدارة العامة.
وأشار إلى انها الدفعة الأولى من الملفات وستصدر الدفعة الثانية من الادعاءات بعد نحو أسبوعين.

اللواء 1 حزيران 2019

إرسال تعليق

 
Top