0
في 11 حزيران 2012 أقر المجتمعون حول طاولة الحوار في بعبدا ما سمِّي "اعلان بعبدا" الذي تنصّل منه "حزب الله" في اليوم التالي، وسار على دربه حلفاؤه بطريقة اوتوماتيكية مهينة لأصحابها قبل غيرهم عندما اعلنوا انهم لم يقرأوا البيان قبل نشره. وقد نصّ "اعلان بعبدا"، بخلاف ما نصّ عليه من بنود غير خلافية كانت اساسا للحوار، على "تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليميّة والدوليّة وتجنيبه الانعكاسات السلبيّة للتوتّرات والأزمات الإقليميّة"، كما "التزام القرارات الدولية" وتخصيص الجلسة المقبلة للحوار آنذاك للبحث في الاستراتيجية الدفاعية.
اما البنود الاخرى فلا خلاف عليها من مثل: إلتزام نهج الحوار والتهدئة الأمنيّة والسياسيّة والإعلاميّة والسعي الى التوافق على ثوابت وقواسم مشتركة، والتزام العمل على تثبيت دعائم الاستقرار وصون السلم الأهلي والحؤول دون اللجوء إلى العنف والانزلاق بالبلاد إلى الفتنة، ودعوة المواطنين بكلّ فئاتهم الى الوعي والتيقّن بأنّ اللجوء إلى السلاح والعنف، أياً تكن الهواجس والاحتقانات، يؤدّي إلى خسارة محتّمة وضرر لجميع الأطراف، ودعم الجيش على الصعيدين المعنوي والمادي بصفته المؤسسة الضامنة للسلم الأهلي والمجسّدة للوحدة الوطنيّة، ودعم سلطة القضاء، وتنفيذ خطة نهوض اقتصادي واجتماعي في مختلف المناطق اللبنانيّة، والتمسّك باتفاق الطائف ومواصلة تنفيذ كامل بنوده.
والتنصل من الاتفاق - الاعلان لا يلغي الحاجة اليه، اذ ان إقحام لبنان في سياسة المحاور والصراعات الاقليمية جرَّ عليه الويلات، وما تكرار الكلام على ان التدخل في سوريا حمى لبنان، ومحاولة تخويف اللبنانيين بأن "داعش" كان سيحتل ساحة جونيه، ليس إلا مبررات لهذا التدخل الذي سبَّب بدوره ردود فعل من الارهابيين اصابت لبنان انتقاماً، وكان يمكن هذا الجهد الذي بُذل في سوريا حماية للنظام ان يستثمر في حماية حدود لبنان وأمنه الداخلي ليس اكثر.
وتحييد لبنان يستمر ضرورة، ولا يختص فقط بالحرب الدائرة في سوريا، بل ايضا بموقف الدول العربية منها، اذ لا يجوز بين يوم وآخر ان يخرج مسؤول لبناني، رسمي او سياسي او حزبي، ليوجه الاهانات والتهديدات لدول الخليج العربي التي تربطها بلبنان علاقات وثيقة وعلاقات نفعية للبنان قبل غيره، بسبب الاستثمارات التي اقامها لبنانيون في مختلف تلك الدول، وعدد اللبنانيين المقيمين فيها والذي يناهز النصف مليون. واما المزايدة الكلامية في هذا الموضوع عبر وسائل التواصل الاجتماعي فتعكس حالة استهبال، اذ ان الرأي الصائب في هذا المجال يكون للمعنيين بالامر من منتشرين لبنانيين، وليس من حفنة من المزايدين عبر وسائل التواصل لا يملكون ارقاماً ولا يقيمون للارتدادات الاقتصادية والاجتماعية وزناً. واما اصحاب الكرامات الوطنية، فلم يسألوا يوماً عن تلك الكرامة زمن عنجر وما بعد بعد عنجر، عندما كان لبنانيون من كبار المسؤولين الى اصغر مواطن، يتعرضون للاهانة اليومية، بل استفاقوا اليوم على كرامة وطنية لم يعملوا يوماً على صونها. وأذكر ان احد الممانعين اتصل بـ"النهار" العام الماضي طالباً محو مقال نشر له سابقاً عبر الموقع الالكتروني لانه يمكن ان يسبب ضرراً لنجله الذي افتتح شركة في دولة الامارات.

غسان حجار - النهار - 13 حزيران 2019

إرسال تعليق

 
Top