0
قد يكون الطابع الأبرز الذي واكب انطلاق العمل الحكومي أمس مع معاودة رئيس الوزراء سعد الحريري نشاطه، ‏تمثل في سباق جدي وحقيقي نادراً ما ظهر مثله سابقاً بين الاتجاهات العاجلة لبت مواقف الحكومة وخططها الحاسمة ‏من ملفات حيوية وتسارع المؤشرات الخطرة لأزمة اقتصادية ومالية واجتماعية تقترب منها البلاد. 
ولم يكن أدل على ‏هذا السباق من تزامن عدد من العوامل والمؤشرات المتعاقبة ومن أبرزها استمرار صدور تحذيرات خارجية لدول أو ‏منظمات مالية أو هيئات اقتصادية غربية معنية بمقررات مؤتمر "سيدر"، وكان آخر الاصوات المحذرة من "أزمة ‏وشيكة" في لبنان أمس البنك الأوروبي لاعادة الاعمار والتنمية بعد التحذيرات المماثلة التي اطلقها البنك الدولي‎.‎
‎ ولكن سجلت على الضفة الحكومية معالم استنفار استثنائي بدأ مع انجاز وزير المال علي حسن خليل التعديلات ‏‏"القيصرية" الموجعة على مشروع الموازنة ايذاناً بدفعها قريباً الى جدول أعمال مجلس الوزراء، فيما شكل اجتماع ‏اللجنة الوزارية المكلفة درس خطة الكهرباء أمس برئاسة الرئيس الحريري الخطوة ما قبل الأخيرة لبت اللجنة الخطة ‏في اجتماع آخر اليوم وتحال النتائج بعدها على جلسة مجلس الوزراء الخميس لاتخاذ الموقف الحاسم‎.‎
‎ وحرص وزير الاعلام جمال الجراح بعد اجتماع اللجنة الوزارية في السرايا على أن يطمئن الى "أن الأجواء إيجابية ‏جداً جداً في هذه الجلسة وحصل تقدم كبير جداً في الاتفاق المبدئي على بعض النقاط الأساسية في الخطة وفي سياسة ‏الكهرباء". وقال ان جلسة ستعقد اليوم بين الرابعة والسادسة عصراً لاستكمال هذه النقاط، بالإيجابية والروحية نفسها ‏التي سادت اجتماع أمس".‎ ‎وأوضح انه "بات هناك توافق تقريباً على نقاط الارتكاز الأساسية للخطة، وقد حصلت مقاربات إيجابية، وغداً (اليوم) ‏سنحسمها بشكل نهائي، وبالتالي نذهب إلى مجلس الوزراء الخميس المقبل بموافقة على البنود الأساسية والمهمة في ‏خطة الكهرباء". وعن موضوع المناقصات قال: "هناك رأيان، سنبحث في ما هو الأنسب بينهما، بمعنى من يعطينا ‏مناقصة في وقت أسرع من الآخر، وما هي الضوابط في كلتا الحالتين". كما أشار الى ان "القوات اللبنانية" قدمت ‏ورقتها الى اللجنة وسيتخذ الموقف منها اليوم‎.‎
وأفادت مصادر متابعة ان "وزراء "القوات" كانوا أول من أثاروا ملف استملاكات سلعاتا لاقامة معمل للكهرباء وان ‏وزيرة الطاقة ندى البستاني تراجعت عن هذه الاستملاكات وأبلغت اللجنة ان قيمة الاستملاكات لن تتخطى 30 مليون ‏دولار. وأضافت المصادر ان "وزراء القوات لم يتراجعوا عن ملاحظاتهم بل ناقشوا فيها وعلى هذا الأساس سوف يصار الى ‏اقتراح نص معدل في الخطة خصوصاً لناحية ربط أي انتاج إضافي بخفض الهدر وعلى ان تكون كلفة أي انتاج ‏إضافي صفراً. كما لا تزال اللجنة تناقش الطاقة الموقتة والدائمة‎".
‎ خفوضات الموازنة
‎ في غضون ذلك، تهيأ وزير المال علي حسن خليل لوضع اللمسات الاخيرة على مشروع الموازنة المعدل بعد اجتماع ‏يعقده لهذه الغاية مع الرئيس الحريري. وإذ قال في هذا الصدد "أنا جاهز"، لم يخف أنه أدخل خفوضات كبيرة جداً ‏على النفقات، تزيد على المليار دولار بكثير من غير أن يكشف الرقم النهائي، وهذا يعني أن الخفض الذي ادخله على ‏كل أبواب النفقات زاد عن الواحد في المئة الذي التزمته الحكومة في بيانها الوزاري، عملاً بتوصيات مؤتمر "سيدر".
‎ وعندما سئل خليل عن موعد البدء بمناقشة مشروع قانون الموازنة العامة في مجلس الوزراء، أجاب: "انتظروا لقائي ‏مع رئيس الحكومة سعد الحريري". وعلم أنه وضع نصاً وجداول بخفوضات تطاول كل السلطات العامة، من ‏الرئاسات الى الوزراء والنواب، الى موازنات معظم الوزارات، كما تشمل المخصصات، ومنها تلك العائدة الى الأجهزة ‏الامنية. وهذه الإجراءات الموجعة على المستوى الرسمي لا يخفي خليل توقعه "أن تحدث مشكلة"، لكنه يؤكد "عدم ‏التراجع عنها، وإلا فليؤمنوا الأموال‎".
‎ وأحال خليل أمس على الامانة العامة لمجلس الوزراء مشروع قانون لإلغاء جميع الاعفاءات الجمركية الواردة في ‏قانون الجمارك أو غيره من القوانين، وهي إعفاءات من عمر الاستقلال. ولم يستثن منها الا تلك التي تلحظها الاتفاقات ‏والمعاهدات الدولية المقررة قانوناً‎.‎
‎ وسط هذه الأجواء، التقى أمس النائب الأول لرئيس البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يورجن ريجتيريك ونائب ‏رئيس البنك بيار هيلبرون الرئيس الحريري والوزير خليل وجرى عرض للمشاريع المشتركة بين لبنان والبنك. ‏وصرح ريجتيريك عقب زيارته لوزير المال: "سيكون هناك الكثير من الاستثمارات. ففي العام 2018 بلغت ‏الاستثمارات 244 مليون أورو. ونحن نرغب في الاستمرار وتسريع العملية إذا أمكن ذلك". لكنه أضاف: "من أهم ‏المواضيع التي تناولتها مع الوزير أن المؤشرات الاقتصادية الحالية تشير الى أزمة وشيكة". وعن الإصلاحات التي ‏يزمع لبنان تنفيذها، قال: "بحسب خبرتنا، ان الإصلاحات قد تكون مؤلمة لكن البديل منها مؤلم أكثر. ونعتقد انه بفضل ‏الحكومة الحالية، لبنان مستعد لاتخاذ هذه الخطوات‎".
‎ نواب الحاكم
‎ الى ذلك، التقى الرئيس الحريري مساء في السرايا رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط ورئيس "اللقاء ‏الديموقراطي" النائب تيمور جنبلاط والوزير وائل ابو فاعور في حضور الوزير السابق غطاس خوري. وتجاوز ‏اللقاء طابع الاطمئنان الى صحة الحريري، اذ فهم انه تناول الملفات الضاغطة داخلياً، كما موضوع تعيين نواب لحاكم ‏مصرف لبنان الأربعة بعد انتهاء ولايتهم أو التمديد لهم، علماً ان هذا الموضوع سيبت في جلسة مجلس الوزراء ‏الخميس‎.

النهار 2 نيسان 2019

إرسال تعليق

 
Top