الجريمة التي ارتكبها الطاقم السياسي، بإيصال لبنان إلى حافة الانهيار المحتوم، لا تتوقف أبعادها عند حدود المال والاقتصاد، بل تتعداها لتصبح كارثية على المستوى الكياني. فكثير من المطلعين يطرحون السؤال الآتي: هل سيضطر لبنان إلى القبول بما ستفرضه عليه القوى الدولية والإقليمية شرطاً لمساعدته على تجاوز الانهيار؟
منذ مطلع تسعينات القرن الفائت، وبدء النمو التصاعدي للدين العام في لبنان، إنتشرت في بعض الأوساط السياسية النافذة فكرة هي الآتية: لبنان لن يغرق مهما كَبُرت ديونه. للمجتمع الدولي مصلحة في مراضاته. التسوية الإقليمية آتية قريباً، ولبنان سيستفيد منها من خلال دور حيوي في الشرق الأوسط تسمح به خصائصه الجغرافية والديموغرافية.
وفي وضوحٍ أكبر، سيُطلَب من لبنان توطين اللاجئين الفلسطينيين الموجودين على أرضه، أو قسم منهم على الأقل. وهذا الأمر لم يعُد لبنان قادراً على رفضه أساساً لأنه مطلوب دولياً وإقليمياً كجزءٍ من التسوية الآتية. وعندئذٍ، سيطلب لبنان أن تدفع القوى المعنية ثمن التوطين، والثمن هو تسديد الديون المتوجبة عليه، أو قسم منها. ولذلك، وفق القوى اللبنانية التي كانت مقتنعة بهذه الفكرة، سيكون من الحكمة أن لا «يتباخل» اللبنانيون في الإنفاق على إعادة الإعمار وبناء البنى التحتية وابتكار المشاريع الطموحة، ولو أدى ذلك إلى زيادة كبيرة في الدين العام، ما دامت هناك قوى مستعدّة لتسديده في النهاية.
المناخ اليوم في الشرق الأوسط شبيه بما كان في تلك المرحلة، فالتسوية تبدو منتظرة في أي لحظة، كما كانت في مطلع التسعينات. ولكن، ليس واضحاً تماماً ما إذا كانت ظروف الولادة قد اكتملت أم انها ستتأخَّر مجدداً؟
إلّا أنّ المناخ اللبناني الداخلي بات اليوم أسوأ بكثير مما كان في مطلع التسعينات. فالدين العام آنذاك كان ضمن هوامش متواضعة، في ظل طموحات جذّابة. وأما اليوم فهو يناهز الـ100 مليار دولار وسط مخاوف قاتلة. وفيما كانت تلك الفترة حافلة بوعود النموّ والازدهار، تسود اليوم هواجس السقوط.
في تلك الفترة، ربما كان ممكناً للسلطة أن تقنع الناس بنهج «الانفلاش» المالي والاقتصادي، وأما اليوم فالكارثة باتت على الباب. وأركان السلطة الحالية باتوا أمام خيار التقشّف الإجباري إلى حدّ الاختناق.
ولذلك، يعتقد البعض أنّ السلطة الحالية تواجه أخطر التحدّيات في المهمة الصعبة، أو المستحيلة، لتجنّب الانهيار. فهي قد تجد نفسها مضطرة إلى مواجهة «الصفقة الملعونة»، صفقة التوطين الفلسطيني، التي لطالما جرى الحديث عنها في مطلع التسعينات، والتي كان البعض يعتبرها مجرد افتراض من نسج الخيال.
وفيما يتعثّر لبنان في مأزقه المالي - الاقتصادي اليوم، ويترنّح استقراره، فإنّ حراكاً ساخناً بدأ يشهده الملف الفلسطيني. والتسريبات تتلاحق حول الإعلان عن تفاصيل «صفقة القرن» قريباً، وتحديداً بعد رمضان.
على مدى العامين الأخيرين، تسارعت الخطوات: إعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل، الإعلان عن ضمّ الجولان، والتحضير لإعلان ضمّ المستوطنات في الضفة الغربية، وسط تلويح بتحميل الأردن جزءاً كبيراً من أعباء النزوح الفلسطيني، من طريق إقامة فدرالية أردنية - فلسطينية.
الواضح أنّ مشروع إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة وغزة قد تهاوى نهائياً، وأنّ عملية التهويد المبرمجة قد بدأت تُنفَّذ بنحو حثيث. وهي تلتقي مع سيناريوهات تقضي بدفع الفلسطينيين إلى «شبه دويلة» تقام على أرضٍ تتخلّى عنها مصر، أو تؤجِّرها لهم، في جزء صغير من سيناء، إضافة إلى غزة.
وفصل المصريون بين رفح المصرية وما تبقّى من المدينة بشريط شائك. وستقع على عاتق أغنياء العرب مسؤولية التمويل وخلق المشاريع الكفيلة بإغراء الفلسطينيين للتهافت إلى المنطقة والعمل فيها.
وعلى الأرجح، سيضغط الأميركيون لإطلاق مفاوضات إسرائيلية - فلسطينية لإنجاز خطوات في عملية التسوية. إلّا أنّ الجانب الفلسطيني سيرفض الجلوس إلى طاولة المفاوضات احتجاجاً على النهج المتّبع. وفي هذه الحال، ستكون للإسرائيليين ذريعة لفرض خطواتهم من جانب واحد، والمضيّ في عملية التهويد.
وفيما تتعاظم الشكوك حول مستقبل وضع الفلسطينيين المقيمين حالياً في الضفة، ستتمّ عملياً تصفية حقّ فلسطينيي الشتات في العودة. وهنا تصبح الأزمات الأهلية، سياسياً وطائفياً واقتصادياً، في الدول العربية المعنية، مثالية لكي ترضخ هذه الدول للخيار الإسرائيلي، وفي الطليعة الأردن ولبنان.
وهكذا، تتخذ المخاوف من الانهيار المالي والاقتصادي في لبنان مغزى أعمق. فوقوع لبنان في حال الضياع والضعف من شأنه أن يسهّل الضغط الإسرائيلي عليه لفرض التوطين.
وتالياً، إنّ المقولة التي كانت قيد التداول في مطلع التسعينات، عن أنّ التوطين هو الدواء الشافي للبنان من الدين العام، ربما أصبحت قريبة التحقّق، أكثر من أي يوم مضى.
فهل أدرك المعنيون كيف أصبحت آفة الفساد والهدر مُرعِبة إلى حدّ أنها قد تطيح الكيان اللبناني؟ وهل كان بعضهم يعرف أن البلد سيصل إلى هنا... ولكنه متواطئ؟
منذ مطلع تسعينات القرن الفائت، وبدء النمو التصاعدي للدين العام في لبنان، إنتشرت في بعض الأوساط السياسية النافذة فكرة هي الآتية: لبنان لن يغرق مهما كَبُرت ديونه. للمجتمع الدولي مصلحة في مراضاته. التسوية الإقليمية آتية قريباً، ولبنان سيستفيد منها من خلال دور حيوي في الشرق الأوسط تسمح به خصائصه الجغرافية والديموغرافية.
وفي وضوحٍ أكبر، سيُطلَب من لبنان توطين اللاجئين الفلسطينيين الموجودين على أرضه، أو قسم منهم على الأقل. وهذا الأمر لم يعُد لبنان قادراً على رفضه أساساً لأنه مطلوب دولياً وإقليمياً كجزءٍ من التسوية الآتية. وعندئذٍ، سيطلب لبنان أن تدفع القوى المعنية ثمن التوطين، والثمن هو تسديد الديون المتوجبة عليه، أو قسم منها. ولذلك، وفق القوى اللبنانية التي كانت مقتنعة بهذه الفكرة، سيكون من الحكمة أن لا «يتباخل» اللبنانيون في الإنفاق على إعادة الإعمار وبناء البنى التحتية وابتكار المشاريع الطموحة، ولو أدى ذلك إلى زيادة كبيرة في الدين العام، ما دامت هناك قوى مستعدّة لتسديده في النهاية.
المناخ اليوم في الشرق الأوسط شبيه بما كان في تلك المرحلة، فالتسوية تبدو منتظرة في أي لحظة، كما كانت في مطلع التسعينات. ولكن، ليس واضحاً تماماً ما إذا كانت ظروف الولادة قد اكتملت أم انها ستتأخَّر مجدداً؟
إلّا أنّ المناخ اللبناني الداخلي بات اليوم أسوأ بكثير مما كان في مطلع التسعينات. فالدين العام آنذاك كان ضمن هوامش متواضعة، في ظل طموحات جذّابة. وأما اليوم فهو يناهز الـ100 مليار دولار وسط مخاوف قاتلة. وفيما كانت تلك الفترة حافلة بوعود النموّ والازدهار، تسود اليوم هواجس السقوط.
في تلك الفترة، ربما كان ممكناً للسلطة أن تقنع الناس بنهج «الانفلاش» المالي والاقتصادي، وأما اليوم فالكارثة باتت على الباب. وأركان السلطة الحالية باتوا أمام خيار التقشّف الإجباري إلى حدّ الاختناق.
ولذلك، يعتقد البعض أنّ السلطة الحالية تواجه أخطر التحدّيات في المهمة الصعبة، أو المستحيلة، لتجنّب الانهيار. فهي قد تجد نفسها مضطرة إلى مواجهة «الصفقة الملعونة»، صفقة التوطين الفلسطيني، التي لطالما جرى الحديث عنها في مطلع التسعينات، والتي كان البعض يعتبرها مجرد افتراض من نسج الخيال.
وفيما يتعثّر لبنان في مأزقه المالي - الاقتصادي اليوم، ويترنّح استقراره، فإنّ حراكاً ساخناً بدأ يشهده الملف الفلسطيني. والتسريبات تتلاحق حول الإعلان عن تفاصيل «صفقة القرن» قريباً، وتحديداً بعد رمضان.
على مدى العامين الأخيرين، تسارعت الخطوات: إعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل، الإعلان عن ضمّ الجولان، والتحضير لإعلان ضمّ المستوطنات في الضفة الغربية، وسط تلويح بتحميل الأردن جزءاً كبيراً من أعباء النزوح الفلسطيني، من طريق إقامة فدرالية أردنية - فلسطينية.
الواضح أنّ مشروع إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة وغزة قد تهاوى نهائياً، وأنّ عملية التهويد المبرمجة قد بدأت تُنفَّذ بنحو حثيث. وهي تلتقي مع سيناريوهات تقضي بدفع الفلسطينيين إلى «شبه دويلة» تقام على أرضٍ تتخلّى عنها مصر، أو تؤجِّرها لهم، في جزء صغير من سيناء، إضافة إلى غزة.
وفصل المصريون بين رفح المصرية وما تبقّى من المدينة بشريط شائك. وستقع على عاتق أغنياء العرب مسؤولية التمويل وخلق المشاريع الكفيلة بإغراء الفلسطينيين للتهافت إلى المنطقة والعمل فيها.
وعلى الأرجح، سيضغط الأميركيون لإطلاق مفاوضات إسرائيلية - فلسطينية لإنجاز خطوات في عملية التسوية. إلّا أنّ الجانب الفلسطيني سيرفض الجلوس إلى طاولة المفاوضات احتجاجاً على النهج المتّبع. وفي هذه الحال، ستكون للإسرائيليين ذريعة لفرض خطواتهم من جانب واحد، والمضيّ في عملية التهويد.
وفيما تتعاظم الشكوك حول مستقبل وضع الفلسطينيين المقيمين حالياً في الضفة، ستتمّ عملياً تصفية حقّ فلسطينيي الشتات في العودة. وهنا تصبح الأزمات الأهلية، سياسياً وطائفياً واقتصادياً، في الدول العربية المعنية، مثالية لكي ترضخ هذه الدول للخيار الإسرائيلي، وفي الطليعة الأردن ولبنان.
وهكذا، تتخذ المخاوف من الانهيار المالي والاقتصادي في لبنان مغزى أعمق. فوقوع لبنان في حال الضياع والضعف من شأنه أن يسهّل الضغط الإسرائيلي عليه لفرض التوطين.
وتالياً، إنّ المقولة التي كانت قيد التداول في مطلع التسعينات، عن أنّ التوطين هو الدواء الشافي للبنان من الدين العام، ربما أصبحت قريبة التحقّق، أكثر من أي يوم مضى.
فهل أدرك المعنيون كيف أصبحت آفة الفساد والهدر مُرعِبة إلى حدّ أنها قد تطيح الكيان اللبناني؟ وهل كان بعضهم يعرف أن البلد سيصل إلى هنا... ولكنه متواطئ؟
طوني عيسى - الجمهورية 19 نيسان 2019
إرسال تعليق