0
أكثر من أيِّ وقت مضى، تحدَّث ديفيد ساترفيلد إلى المسؤولين اللبنانيين «بلا قفازات ولا أقنعة». في لقاءاته، هو قال كلمته ومشى، مراهناً على أنهم باتوا أكثرَ إدراكاً لجدّية المخاطر والمعالجات المطلوبة سياسياً واقتصادياً وإدارياً. وهُم، استمعوا إليه وقالوا كلمتهم... ولكنهم ربما ما زالوا يراهنون على مزيد من هوامش المناورة!
جهَّز ساترفيلد الملفات اللازمة لزيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو للبنان. وعُلِم أنها ستتمّ في 21 الجاري، وستكون لها أهمّيتها في بلورة أسس التعاون بين واشنطن والحكومة اللبنانية الجديدة.
الملف الأساسي الذي حمله الديبلوماسي الأميركي يتعلق بـ«حزب الله» وإيران. ومنه تتفرَّع مجموعة من العناوين التي طرحها على القوى السياسية والمسؤولين الذين التقاهم، وهي الآتية:
1- سأل ساترفيلد: هل سيكون «حزب الله» الأقوى في قرارات الحكومة اللبنانية، بما له فيها من ممثلين وحلفاء، وبالغالبية الكبيرة التي حصلوا عليها، فتنجرف في خياراته؟
وهنا دارت نقاشات بين ساترفيلد والمسؤولين الذين حاولوا تطمينه إلى التزام الحكومة حدوداً مقبولة من التوازن وعدم انجرافها لمصلحة «الحزب» وإيران.
لكنّ تبايناتٍ ظهرت بين المسؤولين اللبنانيين أنفسهم حول مدى اقتناع كل منهم بأنّ لبنانَ قادر على مقاومة الضغوط التي يمارسها «الحزب» على الحكومة لكي تتبنّى خياراته السياسية.
2- عبّر ساترفيلد عن مخاوف جدّية من أن يتمّ استغلالُ المساعدات التي تقدِّمها واشنطن لوزارة الصحة اللبنانية وتجييرها لمصلحة «حزب الله» وتمويله.
وفي هذا الشأن، كان الردّ اللبناني: من المستبعد حصولُ هذا الخرق. فوزارة الصحة مجبَرة على التعاطي بالتساوي مع اللبنانيين، وفي كل المناطق، وهي تخضع لمعايير الرقابة.
وإذا تمّ تمويلُ فئةٍ أو منطقةٍ معينة أكثر من سواها، فإنّ الأمر سرعان ما سيظهر في بلد صغير ومكشوف. كما أنّ موازنات المستشفيات، حتى الصغيرة منها والبعيدة عن بيروت، واضحة ولا يمكن إخفاؤها.
3- سأل ساترفيلد: هل سيستجيب لبنان للعروض الإيرانية بتمويل الجيش وقطاعات معينة كالكهرباء والصحة؟
في هذا الشأن، وفق المعلومات، أبلغ المسؤولون إلى الديبلوماسي الأميركي أنّ لبنان قد يكون في غنى عن الدعم الإيراني إذا حصل على البدائل من جهات أخرى. ولكن، لبنان يحتاج إلى هذا الدعم بشدة وإلحاح، وعلى الجميع أن يتفهَّم هذا الأمر.
ووفق المصادر المتابعة، فإنّ ساترفيلد طمأن إلى استمرار الدعم العسكري القوي للجيش اللبناني بكل ما يحتاجه، سواءٌ بالعتاد أو بالتنسيق لمواجهة خلايا الإرهاب.
وقدّم وعوداً بإغراءات اقتصادية، ومنها تشجيع شركات أميركية على دخول المناقصات في مجالي الكهرباء والنفط وسواهما، وبحضور أميركي ناشط في الحركة الاقتصادية التي يعمل لبنان على إطلاقها في المرحلة المقبلة.
4- أبدى ساترفيلد شكوكه إزاء ظاهرة الفساد والهدر التي تعصف بالإدارة اللبنانية، معتبراً أنها هي التي يمكن أن تتيح لـ«حزب الله» الخرق والنفاذ إلى تحقيق غاياته.
معلوم هنا أنّ واشنطن بعثت برسائل واضحة إلى لبنان، منذ أن بدأت تطبيقَ عقوباتها على «حزب الله»، مفادها أنّ على المؤسسات المالية اللبنانية والمراجع المعنية بالقطاع المصرفي أن تتشدّد في ضوابطها لمنع مرور أموال لـ«الحزب» بطرق مختلفة في هذا القطاع، ومن خلاله يتمّ خرقُ القطاع المصرفي الأميركي.
وقد وعد لبنان بالتزام هذه الضوابط، لكنّ ثمّة جهاتٍ متابعة في واشنطن تتحدّث عن الحاجة إلى مزيد من التشدُّد وتشكو من خروقٍ معيّنة تستدعي المعالجة.
5- موضوع النازحين: أبلغ ساترفيلد الى المسؤولين اللبنانيين أنّ واشنطن ليست مع المبادرة الروسية، وأنها تربط عودة النازحين إلى سوريا بإعادة الإعمار هناك.
ولكن، وفق المصادر اللبنانية المشارِكة في اللقاءات، بدا الرجلُ أكثرَ مرونةً في التعاطي مع هذا الملف لجهة السجال القائم بين المفهومَين: «العودة الآمنة» و«العودة الطوعية».
ولمَس ساترفيلد من المسؤولين اللبنانيين رغبة أقوى في إنهاء هذا الملف بتوفير عودة النازحين إلى بلدهم، وأنّ لبنان لم يعد يتحمّل تبعاتِ هذا الملف وتداعياته الخطرة. ولذلك، لم تعُد مسألة العودة تتحمّل أيَّ نقاش ولا ذريعة يمكن أن يقبلها اللبنانيون لإبقاء الوضع القائم على حاله.
وفي هذا الشأن، تمّ التطرق إلى الزيارة التي سيقوم بها رئيس الجمهورية ميشال عون لموسكو. وذكّر الجانب اللبناني بأنّ المبادرة الروسية تبقى حتى اليوم الوحيدة التي تُعنى بعودة النازحين، ولا يمكن التخلّي عنها في غياب أيِّ بديل.
6- الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل عند الخط الأزرق. وفي هذا الملف، عبّر ساترفيلد عن رغبته في حلحلة هذا الإشكال لما فيه مصلحة الطرفين المعنيَّين. ولكن، بقي النقاشُ عالقاً من دون أيِّ تقدُّم. ولبنان بقي متمسِّكاً بموقفه.
في الخلاصة، الأميركيون جاؤوا إلى لبنان حاملين لواءَ محاربة الفساد، خوفاً من أن يتمَّ استغلالُه لتحقيق غايات سياسية، أي لئلّا يستخدمه «حزب الله» لكي يخرق الإدارة والمؤسسات العامة والقطاعات الحساسة، كالمال والإدارة والقضاء وحتى الأمن. ومن ثمّ يستخدم هذا الخرق ليتوسَّع أوروبياً وأميركياً. فالإدارة اللبنانية النظيفة والشفافة هي الضمان لعدم الوقوع في هذا الفخّ.
وعلى رغم أنّ واشنطن وباريس تختلفان في مسألة اعتبار «حزب الله» منظمة إرهابية، فإنّ الموفد الرئاسي الفرنسي بيار دوكان الذي أنهى للتوّ محادثاته في لبنان إشترط أيضاً على اللبنانيين أن يخرجوا من الفساد، لتحريك المشاريع التي أقرّ مؤتمرُ «سيدر» تمويلها. وهكذا، فإنّ تحدّي الحكومة والإدارة في لبنان بات واحداً: الفساد. وهو سيكون المعيارَ الوحيد للحصول على دعم واشنطن وباريس، وطبعاً لندن وسائر أوروبا والسعودية وحلفائها العرب. وهؤلاء يقوم عليهم الاستقرارُ اللبناني بنسبة تفوق الـ90%. إذاً، أيُّ خيار سيعتمده المسؤولون؟

طوني عيسى - الجمهورية - الاربعاء 6 اذار 2019 

إرسال تعليق

 
Top