0
قد يكون من سوء طالع اللبنانيين أن يبتلوا بكمٍّ هائل من الأزمات الاقتصادية والسياسية والأمنية، باتت تطاول مختلف شؤون حياتهم اليومية بشكل مخيف. فكيفما نظرتَ لا تقع إلا على واقعٍ مأزوم تفوح منه روائح الفساد، كما لو أنّه قَدَرٌ  محتوم لا انفكاك منه. وإذا كانت هذه الأزمات ليست وليدة اليوم أو البارحة، ويمكن العودة بها عشرات السنين منذ الحرب الأهلية في العام 1975 وما تبعها من وصاية استمرت حتى العام 2005 ، إلاّ أنها قد تفاقمت في السنوات الأخيرة الى مستويات قياسية قاربت الانهيار الشامل. وما يلفت انتباه كل من ينظر الى ما آلت اليه أحوال لبنان واللبنانيين، هو المسؤولية المباشرة للطبقة السياسية الحالية التي تمسك بنواصي الحياة السياسية  وما يطغى عليها من تفلت من أبسط قواعد المواطنة. فقد فشلت هذه الطبقة، بكل مكوّناتها وتجمّعاتها وشخصيّاتها المعنية، فشلت في إدارة الشأن العام وتسيير المرافق العامة لخدمة المواطنين وحفظ كراماتهم وتوفير سبل العيش الكريم لهم. فلم يكن ديدب هؤلاء سوى مراكمة الثروات ونهب المال العام، وبناء زعامات ترتكز على انتهاكات مفضوحة للقوانين وتسخير الإدارات والمرافق العامة لخدمة مصالحهم الخاصة؛ والأدهى من ذلك استخدامهم المستمر للمرض المزمن الذي أصيب به اللبنانيون، عنيت به مرض الطائفية، بحيث تلجأ اليه الطبقة السياسية لتغطية ارتكاباتها بحق الوطن والمواطنين. حتى أنّ هؤلاء السياسيين لم يكتفوا بخرقهم القوانين المرعية الإجراء، بل تنازل بعضهم عن وطنيتهم وإخلاصهم لوطنهم بأن سمحوا لأنفسهم الارتباط بسياسات ومصالح خارجية لا تعني لبنان لا من قريب ولا بعيد، بل لم تجلب له سوى الكثير من العداوات ناهيك عما تكلفه من أعباء اقتصادية وسياسية وتفسخ في النسيج الوطني.
أمام هذا المشهد الكئيب للوطن، وهذه الصورة القاتمة التي تبدو بها الحالة العامة، وأمام عجز  غالبية اللبنانيين الواقعين تحت عبء هذه الأوضاع، حيث باتوا مسلوبي الإرادة، لا حول ولا قوة لهم، وقفت ثلة منهم أبت الاستسلام والرضوخ لهذا المصير الذي اقتيد اليه الوطن، وآلوا على أنفسهم أن لا يكونوا شهود زورٍ على ذبحه ونهب ثرواته وخيراته وتدمير اقتصاده وضرب التعايش بين أبنائه وإفقارهم والسكوت عن فساد الطبقة السياسية وموبقاتها. هذه المجموعة من الوطنيين المخلصين بقيادة الرئيس ميشال سليمان التي التفّت حوله في «لقاء الجمهورية» منذ ثلاث سنوات ولا تزال، قد عقدت العزم لتكون في طليعة الملتزمين بقضايا الوطن والمواطنين. فبهديٍّ من تجربة الرئيس العماد ميشال سليمان الطويلة، في قيادته للجيش أولاً ورئاسته للجمهورية تالياً، وعلى امتداد السنوات الثلاث منذ تأسيسه، كان «لقاء الجمهورية» العين الساهرة على الوطن بدستوره ومؤسساته، وعلى قضايا المواطنين بكل أطيافهم، يرفع الصوت بوجه الجلادين واللصوص الذين عاثوا الوطن فساداً، وينبّه الى ما يحاك للبنان واللبنانيين من دسائس ومؤامرات تطيح بهذا الوطن وابنائه. فكان «اللقاء» حارساً للدستور وتقاليده الراسخة يوم عزّ الدفاع عنه ممن أوكلوا بذلك، وكان كذلك في دفاعه عن المؤسسات الدستورية والمؤسسات العامة والمصالح الوطنية لا يثنيه في ذلك قوة أو تهيب؛ فمبادئ اللقاء التي كرسها ميثاقه ارتكزت على الدستور اللبناني وعلى قواعد العقد الاجتماعي الذي ارتضاه اللبنانيون. والرئيس سليمان الذي خبر ما يتعرض له الوطن، وخبر هذه الطبقة السياسية وما تبديه من مقاومة للإصلاح، كان مدركاً ما تقود اليه ممارسات بعض القوى اللبنانية من مصادرة لدور الدولة اللبنانية داخلاً وخارجاً، وما قد تؤول اليه، فتمكن على طاولة الحوار وبموافقة جميع الفرقاء من تبني وثيقة تاريخية أصبحت لاحقاً مرجعاً دولياً تُعتمد مبادئه في أية معالجة لأوضاع لبنان، عنيت بها «إعلان بعبدا» الذي أقر في العام 2012. وعلى الرغم من تنصل بعض الفرقاء من هذا الإعلان، ونظراً لأهميته في الحفاظ على الكيان اللبناني بإبعاده عن كل الصراعات الإقليمية  خلا الصراع العربي - الإسرائيلي، اعتبر اللقاء أن تطبيق إعلان بعبدا هو المدخل لإعادة بناء الدولة. يضاف الى ذلك أنّ اللقاء، بتوجيه من الرئيس سليمان، تبنى خريطة طريق تمكن البلاد من الخروج من أزماتها الحالية وتضعها على قوام السبيل. تعتمد هذه الخريطة النقاط التالية بالتسلسل والتي تؤدي بنهايتها الى استقرار الأوضاع واستعادة الحياة الطبيعية:
1- تحييد لبنان (تطبيق إعلان بعبدا)؛ 2- إقرار الاستراتيجية الدفاعية؛ 3- إصلاح قانون الانتخابات الحالي (إلغاء الصوت التفضيلي وتعديلات أخرى)؛ 4- تطبيق اللامركزية الإدارية؛ 5- تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية (التي ينص عليها الدستور).
وإلى الانجازات العديدة للرئيس سليمان، إضافة الى إعلان بعبدا، فقد بذل ما استطاع له سبيلاً يوم رئاسته للجمهورية، إلاّ أن ارتباط بعض القوى السياسية بأجندات خارجية عطّلت إمكانات الإصلاح التي كان موعوداً لبنان بها، وأفسدت الأمل الذي راود اللبنانيين بأن يكون عهده شبيهاً بعهد الرئيس الراحل اللواء فؤاد شهاب. ولقاء الجمهورية برئاسة الرئيس العماد ميشال سليمان سيبقى أميناً على الدستور وعلى الديمقراطية والحريات، ويحرص على التصدي لكل ما تعانيه الحياة السياسية في لبنان، وما أدّل على ذلك سوى بياناته الأسبوعية التي تشير وباستمرار الى مكامن الخلل في تسيير أمور البلاد ومقدار معاناة المواطنين من جرّاء السياسات الخاطئة والفساد المستشري.
فهنيئاً للقاء الجمهورية عيد تأسيسه الثالث وليبق بقعة مضيئة وسط العتمة الشاملة التي تخيّم على لبنان.

رياض شيّا -
(استاذ جامعي/ عميد ركن متقاعد) - اللواء 19 كانون الثاني 2019

إرسال تعليق

 
Top