0
لا يخفى الجدل الغربي عن المدى الذي بلغته قبضة حزب الله في لبنان، وهو يتراوح بين حدّين، لكنه ينطلق من أساس واحد هو الحاجة الماسة الى الإقرار بحقيقة هذه القبضة التي يوصّفها بالبشعة، في موازاة عمى غربي استدام أعواما كثيرة، ولا سيما منذ العام 2005، وانتهى الى «الحقيقة البشعة» هذه: استيلاء على النظام السياسي والعسكري والاقتصادي للبلد بشكل منهجي ويكاد يتحوّل شاملا.
- اولهما، الحد الأدنى الذي يقول إن إيران عبر ذراعها اللبنانية استطاعت الى حد ما تطويع القرار السيادي في سياق استراتيجيتها الانفلاشية - اللاثورية حتى الآن، وهي في الأصل جاهرت بأن بيروت إحدى العواصم الأربع التي باتت في دائرة نفوذها، مع تراوح في مدى هذا النفوذ، إذ هو على سبيل المثال، أوسع في بغداد ودمشق مما هو عليه في بيروت. إلا أن هذا التطويع السيادي لن يزيد عن هذا الحد الأدنى، بمعنى أنها لن تذهب بعيدا في إستثماره خلافا لما تعمل عليه في العواصم الثلاث الأخرى، مع تسليمها بأرجحية رأي حزب الله في إدارة اللعبة وفق الهامش المعطى له أصلا.

- وثانيهما، الحد الأقصى الذي يذهب الى توقّع مزيد من الإنفلاش الإيراني - الحزباللوي، من طريق القضم التدريجي، بحيث لن تتوانى الذراع عن تثبيت قبضتها، لو بالقوة، متى احتاج الأمر الى ذلك.

ويستند هذا الرأي الغربي الى الآلية الخشنة التي يتبعها حزب الله في الآونة الأخيرة، وتحديدا منذ جاهرت قيادته بأن القرار الحكومي - على سبيل المثال - لها وحدها، حتى لو إتفقت كل القوى بلا استثناء، بمن فيهم التوأم اللصيق بالحزب، على إدارة مختلفة للأزمة الحكومية التي كان من المفترض أن تنتهي بمجرّد تفكيك العقدتين القواتية والدرزية. هذه القبضة الخشنة، التي غابت عن أدبياته منذ أحداث أيار 2008 التي إعتمدها ردا على ما رأى فيه إنقلابا داخليا عليه، هي نفسها التي يتبعها الحزب منذ أزمة الجاهلية والتي أفضت الى إعادة بث الحياة في القوى الحليفة له التابعة لكل من سوريا وإيران، فيما بات نوابه الستّة السنّة على درجة كبيرة، هي على الأرجح مفرطة وعليلة، من الثقة بالنفس.

وتتفق المقاربة الغربية، بشقيها الأدنى والأقصى، على أن إيران والحزب بلغا درجة عالية من الإنفلاش حدا أتاح لهما، بكل أريحية ويقين، التخلي عن السيطرة بالتورية، وهو الأسلوب الذي غالبا ما إعتمده الحزب لكي يبقي سيطرته هذه في إطار منخفض الجانبية Low Profile، حيث لم يكن ثمة ملحّ يفترض عليه الخروج عن سياقه التحفّظي. هذه الأريحية، على سبيل المثال، هي التي باتت تتيح للحزب توجيه تنبيهات علنية وتحذيرات مباشرة الى قوى سياسية وأجهزة أمنية، ولطائرة شحن إيرانية أن تحط جهارا في مطار بيروت مصطحبة أسلحة متطورة. وهذا التطور مؤشر واضح الى ضعف السلطة المركزية وذوبان القرار السيادي، وتشظي الحكم بين مسؤولين متواطئين في جهود العسكرة الإيرانية المتخمة للحزب، وبين آخرين يفتقرون بالكامل إلى القدرة على إستعادة القرار السيادي، واستطرادا إحباط طموح هذا الحزب وجموحه.

وتعمل هذه المقاربة على ما تسمّيه «تبديد الاعتقاد الخاطئ الشائع في الغرب بأن هناك معسكرين متنافسين في لبنان، اي ذلك «الجيد» الذي يقوده رئيس الوزراء سعد الحريري ويضم السنة وغالبية من المسيحيين والدروز، والآخر «السيئ» الذي يتكون من حزب الله الشيعي المدعوم من إيران وسوريا»، إذ إن «هذا النموذج الخاطئ يقودنا حتما إلى الاستنتاج بأن علينا مساعدة الأخيار في مواجهة الأشرار، فيما الحقيقة في مكان آخر كليا. إذ إن هناك اتفاقا تقاطعيا وتماثليا بين الطرفين: مهمة «المعسكر الجيد» تتمثل في تقديم الوجه اللطيف للبنان والسعي الى الدعم الغربي، بينما يسمح لحزب الله بأن يستمر القوة العسكرية الوحيدة في البلاد ويهيمن على عمليات صنع القرار».

وتعتبر المقاربة نفسها أن «لبنان ليس موجودا عمليا كدولة ذات سيادة. وغير ذلك هو الوهم بعينه. إذ لا يمكن فعل شيء من دون موافقة حزب الله. الناس العاديون في بيروت على دراية تامة بذلك حتى لو ينافق كل العالم ويتجاهل هذه الحقيقة البشعة».

أنطوان الأسمر - "اللواء" - 8 كانون الأول 2018

إرسال تعليق

 
Top