0
مع دخول التأليف المتعثر شهره الخامس والحبل عالجرار، تتلذذ القوى السياسية بإرهاق الناس قدر المستطاع، وتحرص على عدم تمرير يوم واحد من دون تهديد بلقمة عيش أو بزيادة ضريبية أو انهيار اقتصادي أو اهتزاز أمني يُسرِّع تأليف الحكومة بدلاً من تسيير الحد الأدنى من شؤون الناس الحياتية والمتطلبات الضرورية لحفظ البلاد من شرّ النفايات المستطير وعودتها إلى الشوارع، ومن خطر المحارق غير المدروسة وضريبة المحروقات المستجدة والهلع من انتقال «معارك 1860 وعين داره وسوق الغرب» من صفحات التواصل الاجتماعي الى أرض الواقع. 

ومع عودة مطار القليعات إلى الضوء الاعلامي نتيجة المطالبة المتقطعة بضرورة تجهيزه كمطار ثانٍ يساند مطار رفيق الحريري الدولي (مطار بيروت) ويؤمن في الوقت عينه مئات فرص العمل لأبناء المنطقة الأكثر حرماناً، ويوفر على العكاريين والشماليين عموماً عناء رحلة «الشمال – بيروت» ذهاباً وإياباً الموازية بحجم الوقت لغالبية الرحلات الجوية من لبنان إلى العالم، يعود الحديث أيضاً عن ضرورة الإسراع في استكمال توسعة مرفأ طرابلس الذي سعى رئيس مجلس إدارته الراحل محمود سلهب جاهداً مع وزراء الأشغال المتعاقبين ورئيسي الجمهورية ومجلس الوزراء (سليمان وميقاتي) لتجهيزه بأفضل ما يمكن استعداداً لربطه بطريق الحرير ليكون جسر عبور لا بدّ منه يعيد الى الشمال رونقه البحري، ناهيك عن الضرورة الملحّة لترميم معرض رشيد كرامي الدولي المهدد بالسقوط بفعل إهمال الدولة وعدم اكتراثها لأهم منشأة يستفيد منها لبنان ثقافياً، للمساهمة الجدية في إعادة إعمار سوريا بـــ «3 م» (مطار – مرفأ – معرض) بعد أن دفع لبنان ما يفوق طاقته نتيجة تبعات الحرب السورية وكثافة النزوح، سيّما في المنطقة الشمالية ذات الكثافة السكانية. 

يحمل أحد الوزراء هم وزارته في يد وهم عكار في اليد الثانية والقلب والعقل، يخاف عليها من غدرات الزمان. «بكل عرس لها قرص» يقول بغصة، ففي زمن السلم عكار محرومة وفي معركة «نهر البارد» قدمت العدد الأكبر من شهداء الجيش، وفي زمن العدالة قدمت الشهيد البطل الرائد وسام عيد الذي فكك لغز الاتصالات وسهّل بانجازه اكتشاف المجرمين ودفع حياته على مذبح الحقيقة، وفي الحرب السورية دفعت ولا تزال أثمن الأكلاف، ولولا سياسة الأمن الاستباقي ونباهة معلومات قوى الأمن الداخلي لدفعت أكثر من ذلك بكثير قبل اكتشاف المخطط الاجرامي الذي حمله ميشال سماحة ساعياً إلى تفجير بعض عبواته تزامناً مع جولة البطريرك بشارة الراعي في مناطق عكارية عدة. 

وماذا بعد، «من يضمن لنا عدم إلحاق عكار بسوريا الجديدة أو سوريا المفيدة تحت جنح الصفقة الكبرى».. تسأله: «هل لهذه الخشية مبرر جدّي أم هي مجرد تحليلات أو قلق استباقي»، يجيب مختصراً «أخاف كثيراً على مصير عكار ومستقبلها، أخاف من سلخها عن لبنان وضمّها إلى سوريا الجديدة، أخاف من عدم قدرتنا على مواجهة هكذا قرار فيما لو رُسمت خرائط المنطقة من جديد بأيادٍ أميركية وروسية وهناك همس بدأ يخرج من الكواليس ومعه كلام قديم جديد عن نية إنشاء مرفأ كبير في طرطوس، حينها ماذا يمكننا أن نفعل وكيف السبيل للمواجهة والرفض في بلد منقسم على أبسط الأشياء». ثانياً: هذا الخوف من التقسيم يشبه الخوف من التوطين، «من يستطيع ان يؤكد أو ينفي وجود مثل هذا الخطر ومن لديه التطمينات الكفيلة لإزالة هذا الهاجس؟». 

خلافاً لهواجس الوزير المشروعة، ثمة من يجزم أن سياسة «الفرز والضم» المرسومة للحل الآتي على المحيط المشتعل، ستبقى حبراً على ورق ولن تبصر النور ولن تدخل حيز التطبيق. 

بمعزل عن وجود مثل هذا السيناريو أو عدم وجوده في مخططات أصحاب القرار عند اقتراب الحلّ الشامل وإعادة رسم خرائط المنطقة، وفي ظلّ هذا الجنون العالمي الذي يضرب يميناً شمالاً غير أبه لا بأرواح البشر ولا بقيمة الحجر، ألا يجدر بنا رصّ الصفوف تحسباً لمواجهة أي اعتداء على أي شبر من بلادنا سواء في عكار أم في جبل الشيخ أو الهرمل عشية مئوية إعلان دولة لبنان الكبير؟ وللبحث تتمة.

بشارة خيرالله - "اللواء" - 19 أيلول 2018

إرسال تعليق

 
Top