0
بعد أيام تحل الذكرى السنوية الـ 12 للتوقيع على "تفاهم مار مخايل" بين الرئيس ميشال عون، رئيس التيار الوطني الحر آنذاك، والامين العام ل‍ـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله.

وهذا التفاهم أدى الى خلط الأوراق السياسية على نطاق واسع وجذري، ليس فقط على مستوى المشهد السياسي وإنما على مستوى المعادلة وميزان القوى الداخلي، فكان بمنزلة "الشرارة" الى إطلاق مرحلة الانقسام والاصطفاف بين فريقي 8 و14 آذار، وتدرج صعودا في جني المكاسب والإنجازات، بدءا من اتفاق الدوحة وصولا الى انتخابات رئاسة الجمهورية، وللمرة الأولى بعد العام 2005 رئيسا مسيحيا حليفا لـ"حزب الله".

معركة رئاسة الجمهورية توجت مساراً سياسياً تحالفياً بين الطرفين على أساس تسوية سياسية أعادت الرئيس سعد الحريري الى السرايا الحكومي وأوجدت وضعا مثاليا بالنسبة لـ"حزب الله" الذي نجح عبر التسوية وثنائية عون الحريري التي "يرعاها" في تحقيق إنجازات كبيرة في العام الأول للعهد، من دحر الإرهاب على الحدود، الى قانون الانتخابات الجديد، وصولا الى موقف لبناني رسمي مساند و"متماهٍ" مع مواقف الحزب في مسائل ومحافل إقليمية ودولية، وكانت كل الدلائل تشير الى أن "التفاهم" الذي "وصل الى الحكم" بدأ يؤتي ثماره في السلطة وسيترجم مزيدا من "الإنجازات المشتركة"، وأنه في أساس معادلة الاستقرار ومواجهة أي تحديات وأزمات آخرها أزمة استقالة الحريري، ولكن طرأت في الأسابيع الماضية، ومنذ مطلع هذا العام، تطورات أدت الى تعكير صفو الاستقرار والحكومة والتسوية، وأيضا الى حصول اهتزاز هو الأعنف في العلاقة بين "التيار الوطني الحر" و"حزب الله" منذ العام 2006.

وهذا الاهتزاز حصل نتيجة خلاف مستجد و"متراكم" بين الرئيسين نبيه بري وميشال عون انطلقت شرارته مع "مرسوم أقدمية ضباط" وأخذ شكل صراع أحجام وصلاحيات وخلاف على تفسير الدستور وتطبيق الطائف، ثم تصاعد وتفاقم ووصل الى مستويات دقيقة وخطرة مع اندلاع الاشتباك بين نبيه بري ووزير الخارجية جبران باسيل، وكانت شرارته وصفه رئيس البرلمان بـ"البلطجي"، ليتطور الموقف الى ما هو أبعد وأخطر مع ردة فعل بري ومطالبته بالاعتذار وإلا.. ومع نزول أنصاره الى الأرض ومحاصرتهم للمقر الرئيس للتيار الوطني الحر في سن الفيل.

في الحالين (خلاف عون ـ بري، وباسيل ـ بري) وفي الأزمتين (أزمة المرسوم وأزمة الشريط المسرب) شكل موقف "حزب الله" صدمة لـ"التيار الوطني الحر" لأنه انحاز ضمنا الى الرئيس بري في الحالتين، وبدا أن الحزب والتيار ليسا على موجة سياسية واحدة فيما خص الملفات والمسارات الداخلية بخلاف ما هو عليه الأمر من انسجام وتطابق في المسائل والمواقف الإقليمية والاستراتيجية، كما بدا واضحا أن الصدام بين "أمل" و"التيار" بدأ يؤثر سلبا على تحالف التيار مع الحزب، هذا التحالف الذي أصيب بجروح وندوب عميقة، خصوصا على مستوى مناخات الشارع والعلاقة بين القواعد الشعبية للطرفين، ما يعزز الانطباع بأن "التفاهم" ما زال تفاهما "فوقيا" ومرهونا بالعلاقة العميقة الشخصية بين عون ونصرالله، وأن العلاقة بين الحزب والتيار بعدما صار العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية لم تستمر كما كانت، وربما لن تعود كما كانت ولا مجال هنا للخوض في الأسباب التي تدفع الى مثل هذا الاعتقاد، وإنما نكتفي بالتوقف عند التطورات الأخيرة التي تخللها تبادل ملاحظات بين الطرفين تجاوزت العتب الى الانتقاد:
٭ "التيار الوطني الحر" يأخذ على "حزب الله" تقاعسه وتلكؤه في معالجة المشكلة منذ أن أطلت برأسها مع "المرسوم المتنازع عليه"، فأخطأ حين قلل من شأن الأخطار التي يمكن أن تتأتى عن هذه الأزمة، وحين تأخر في التصدي لها وعلى قاعدة إفهام رئيس المجلس أن الحزب متمسك بالتحالف مع الرئيس عون ولا يرضى بمسائل تفصيلية أن تؤثر على اعتبارات استراتيجية.
٭ "حزب الله" يأخذ على الوزير جبران باسيل أنه "يستقوي" بورقة التفاهم لمواجهة نبيه بري، وأنه لا يأخذ بحساسيات الحالة الشيعية، وأنه يراهن على نظرية "إننا مع الحزب استراتيجيا وإقليميا، وعليه أن يكون معنا داخلياً وسياسياً وأن يترك لنا هامش مناورة ومنازلة مع بري". ولكن باسيل نسي أن الوحدة الشيعية فوق كل اعتبار، وأن استعادة "حقوق مسيحية" لا تكون على حساب الشيعة، وأن وضع الحزب أمام مفاضلة بين شراكة بري معه وتغطية عون له، أمر غير مقبول.

"الأنباء الكويتية" - 2 شباط 2018

إرسال تعليق

 
Top