0
وأنت تسلك الطريق ليلاً باتجاه معراب، في طقسٍ ماطر، تسأل نفسك قبل أن تصل الى تلك القلعة المحصّنة في البلدة الكسروانيّة: هل جنى سمير جعجع على البلدة وأهلها بإقامته فيها، أم أنعم عليها بتحويلها الى واحدة من أبرز مواقع السياسة في لبنان، فأصبح مجرّد ذكرها دلالةً الى جعجع وحزب القوات اللبنانيّة؟
الطقس بارد في معراب، يتحدّاه هرٌّ يرافقك من المدخل الخارجي الأخير وصولاً الى باب المبنى، ليسلّم المهمّة الى أنطوانيت جعجع التي تستقبلك في مكتب رفيقها شارل جبّور، وفيه الكثير من الحلويات وبعض الكتب السياسيّة، ولعلّ جبّور مدمن على الإثنتين، مع خرقٍ وحيد على المكتب لرواية بعنوان "مشاعر مبعثرة". عنوانٌ يحمل دلالةً، ربما، على حال مشاعر سيّد معراب المبعثرة بين حليفٍ قديم اختار الجفاء، وآخر جديد يسعى الى بناء الثقة معه، بصعوبة.


يجوز أن تُقسم الجلسة مع سمير جعجع في هذه الليلة الى ثلاثة أقسام: ما يصلح للنشر، وما يجب أن يبقى أسير جدران الغرفة، وما تحوّل فيه جعجع الى موقع السائل لا المجيب. لعلّ القسم الثاني هو الأوسع مساحةً، إلا أنّ القسم الأخير يبرز وجهاً لا يعرفه كثيرون عن جعجع المصغي، ولو كان الرأي مختلفاً بل مخالفاً، والذي يناقش ويقنع أو يقتنع... 

يملك سمير جعجع قراءة متقدّمة جدّاً لأزمة مرسوم دورة ١٩٩٤ تتخطّى ما يتمّ الخلاف حوله الى "جوهر المشكلة" كما يقول. يشرح القضيّة بإسهاب، من وجهتين قانونيّة وسياسيّة، ليخلص بإيجابيّة تجاه موقف رئيس الجمهوريّة، من الناحية المبدئيّة.

لا يبدو جعجع مستعجلاً في ما يخصّ العلاقة مع رئيس الحكومة سعد الحريري. يتحدّث بالتفصيل عن هذا الموضوع، قبل أن ينهي بعبارة "طبعاً هذا الكلام مش للنشر". تظهر معراب في مظهر الحريصة على الحلفاء، خصوصاً من التقوا يوماً تحت "خيمة" ١٤ آذار، وهي لم تفقد الأمل بلقاءٍ ما، على شكل أسطورة طائر الفينيق الناهض من بين الرماد. استحال فريق ١٤ آذار رماداً، فهل تَصدُق الأسطورة؟

إلا أنّ كلام جعجع يوحي دوماً بعدم رغبة بتقديم تنازلات، خصوصاً حين يوضَع في خانة المتَّهم. وهو يبرز دلائل واضحة على عدم صحة ما يكتب ويذاع عنه وعن دوره في السعودية، ويؤكد أنّ ما نُسب على إحدى الشاشات الى مراسَلات وتقارير سعوديّة كان من نسج الخيال.
ويجدر التوقف هنا عند عدم استبعاد جعجع حصول تحالف انتخابي مع "المستقبل"، وربما يكون ثلاثيّاً ليضمّ التيّار الوطني الحر.

أما في ملف العلاقة مع الأخير، فلا يخفي جعجع إيجابيّة في قراءة اللقاءات الأخيرة التي ينشط على خطّها الوزير ملحم الرياشي والنائب ابراهيم كنعان. يستمرّ تفكيك الألغام هنا، كما البحث في سائر الملفات، ومنها ملف الانتخابات النيابيّة وتحالفاتها. يقول جعجع: هناك عدد من الملفات التي يجب أن نتّفق عليها، ونلمس إيجابيّة واضحة. هو يدرك، في الذكرى الثانية لإعلان التفاهم مع "التيّار"، أنّ هذه العلاقة بحاجة الى ترميمٍ دائم، وبعض الحجارة التي تتلقّاها تأتي من مواقع قريبة وليس فقط من بعيد. 

إلا أنّه يؤكد، من ناحية أخرى، أنّه لن يتخلّى عن الدور الذي يقوم به وزراء القوات اللبنانيّة داخل الحكومة، لجهة مكافحة الفساد ووقف الهدر. وهو يتوّقف هنا عند دور وزيرَي حزب الله. يقول: "حين نعارض يعارضان فوراً، وإن لم نعارض مرّة لا يعارضان. على كلّ حال نحن سعداء بهذا الدور". 

وعن العلاقة مع حزب الكتائب، يشير جعجع الى لقاءات تحصل وثقة تستعاد، "ولكن لم نتوصّل الى اتفاقٍ حتى الآن. لكن الاتفاق وارد، وفي الانتخابات أيضاً".


يملك سمير جعجع قراءة هادئة وواقعيّة لاستحقاق الانتخابات النيابيّة. هو واثق، أولاً، بأنّ الانتخابات ستجري. وهو يعترف "هنا سنربح، وهنا سنخسر، أو قد نخسر". يبدي تمسّكاً بمرشّحين ولو لم يشكّلوا إضافةً لموقع الحزب وحجمه في بعض الدوائر. "ما فينا نتخلّى عن مرشّحين صرلن معنا من زمان، كرمال مرشّحين جداد لو ما بيربحو" يجزم ردّاً على سؤال. 

تخرج من مكتب جعجع الدافئ الى صقيعٍ في الخارج ينبهّك إليه محذّراً أحد الحراس. تسأل نفسك هذه المرّة، مغادراً معراب: ألم يملّ الرجل هذا السجن الكبير؟ ألم يتعب من السياسة التي، تقريباً، لم يعرف فيها يوم راحة؟

داني حداد - موقع mtv - 
19 كانون الثاني 2018

إرسال تعليق

 
Top