0
بات شبه مؤكد لدى معظم مواكبي عملية تأليف الحكومة أن أسباب التعثر الحاصل لم تعد محصورة بالصراع على الحصص والحقائب السيادية والاساسية والخدماتية فحسب، بل ثمة اعتبارات أخرى دخلت على مشهد التشكيل فزادته تعقيدا. فإلى الكباش على تحديد هوية العهد الجديد وخياراته الاستراتيجية، يقول هؤلاء لـ"المركزية" إن معركة مسيحية – مسيحية تعوق هي الاخرى تقدم المساعي المبذولة لانجاز الولادة الحكومية، وجهُها الظاهر حصة "المردة" في التركيبة المنتظرة، أما باطنها فيخفي تنافسا على زعامة الشارع الشمالي على أبواب الانتخابات النيابية من جهة، لكن أيضا حسابات متعلقة بهوية الرئيس الذي سينتقل الى بعبدا بعد العماد ميشال عون، من جهة أخرى.

ففي وقت لم يتجاوب رئيس المردة النائب سليمان فرنجية مع الرسالة "الابوية" التي وجهها الرئيس عون منذ أيام، ونقلت أوساطه أنه ينتظر دعوة شخصية من القصر أو زيارة من الوزير جبران باسيل، قالت المصادر المذكورة إن الاخير ليس في وارد القيام بهذه الخطوة. واذ تشير الى ان بنشعي تعتبر ان باسيل يتحمل المسؤولية الكبرى في تردي العلاقات بين المردة والوطني الحر، تعتبر المصادر ان هذه المقولة تكتسب مشروعية وصدقية في ظل المعطيات التي في حوزة الزعيم الزغرتاوي: فهو يتحدث عن محاولات دؤوبة لمحاصرته والغائه سياسيا يقودها رئيس التيار البرتقالي بالتعاون مع القوات اللبنانية، عبر السعي لاقامة تحالف سياسي عريض في زغرتا يضم ائتلاف العائلات الزغرتاوية ومن ضمنها آل معوض و"الثنائي المسيحي"، لمواجهة "المردة" في الانتخابات النيابية المقبلة، فيصعب على فرنجية خرقه في عقر داره.

ويقول مقربون من رئيس المردة ان رفض اسناد أي حقيبة أساسية الى "التيار" من قبل الوطني الحر والقوات، يستند الى اعتبارات انتخابية أيضا، اذ يخشى الثنائي ان تساعد وزارة كهذه فرنجية في تعزيز قواعده الشعبية في الشمال وتحديدا في منطقة البترون حيث لا يزال صاحب شعبية واسعة قادرة على تأمين وصول نائب الى الندوة البرلمانية خصوصا اذا ما خاض المعركة هذه المرة الى جانب الوزير بطرس حرب وحزب الكتائب، فيما باسيل يحاول توفير أفضل الظروف التي تخوله اجتياز الامتحان النيابي في مسقط رأسه بنجاح للمرة الاولى... في الموازاة، تعتبر المصادر ان لا يمكن فصل الصراع الحاصل بين القيادات المسيحية أي باسيل – جعجع من جهة وفرنجية من جهة أخرى، عن الانتخابات الرئاسية المقبلة، اذ تدل المعطيات الى ان محركاتها يبدو انطلقت منذ اليوم الاول من عهد الرئيس عون. فزعيم "المردة" الذي يرفض التنازل عن شرطه الاستحصال على حقيبة أساسية وهو يراها حدا أدنى لشخص "ضحى" بفوز رئاسي كان محسوما لصالحه، يعتبر نفسه منذ اليوم خلف العماد عون مستندا الى دعم حزب الله والرئيس نبيه بري والصداقة التي بناها مع الرئيس سعد الحريري. أما رئيس حزب "القوات" سمير جعجع، الذي بدوره "ضحى" بترشيحه الرئاسي قبل ان ينتقل الى خندق داعمي العماد عون ويفتح صفحة جديدة مع "التيار الوطني الحر"، فيرفض التسليم بهذا الواقع وهو يعوّل على ان تنصفه الانتخابات النيابية المنتظرة فتكرسه زعيما على الشارع المسيحي وتمهد له الطريق الى بعبدا، مدعوما من التيار الوطني، تماشيا مع مبدأ "الرئيس القوي في بيئته" الذي على اساسه انتخب العماد عون رئيسا.

في الاثناء، عقدة حقيبة المردة تراوح. بنشعي رفضت "التربية" وفق المصادر، وتتمسك بالاشغال او الاتصالات او الطاقة، وتقول انها لم تتلق اي عرض جديد من قبل المعنيين بالتأليف. فهل تُحل الازمة الحكومية اذا كُسر الجليد بين بعبدا وبنشعي أم أن المشكلة في مكان آخر؟ 

"المركزية" - 6 كانون الأول 2016

إرسال تعليق

 
Top