0
استمر الضجيج السياسي على أشدّه في بيروت بسبب العرض العسكري المفاجئ وغير المسبوق الذي أقامه “حزب الله” في بلدة القصير السورية المتاخمة للحدود مع لبنان، وسط قراءاتٍ متناقضة لطبيعة الرسائل “المرقّطة” التي أراد إطلاقها الحزب الذي يفاخر بأنه تحوّل “جيشاً” عابراً للحدود ورقماً صعباً في المعادلات الإقليمية.

وفي أول تعليق “رسمي” لقيادة “حزب الله” على “عرض القوة”، تعمّد نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم تجهيل الجهات التي أراد إبلاغ رسائله إليها بـ “البريد المجوْقل” والمغزى منها، عندما قال: “كان العرض العسكري في القصير رسالة واضحة وصريحة للجميع ولا تحتاج الى توضيحات وتفسيرات (…) وعلى كل جهة أن تقرأها كما هي”.

هذا “التمويه” الذي يتقنه “حزب الله” ضاعف من وتيرة التأويلات في شأن الرسالة التي وجّهها، خصوصاً أنها ترافقت مع تطورين بارزين هما: قيام عهد جديد في لبنان برئاسة العماد ميشال عون، والتداعيات الملتبسة لانتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، رغم الارتياح العلني لروسيا.

فرغم المهادنة السياسية التي يبديها الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري حمايةً للمناخ الإيجابي في لبنان عبر التسوية التي حظيت باحتضانٍ داخلي وإقليمي، فإن كتلته البرلمانية لم تجد ملائماً إدارة الظهر لعرض القوة الذي قام به “حزب الله” والذي رأتْ فيه “رسائل يرسلها حزب الله في مختلف الاتجاهات”.

واعتبرت “كتلة المستقبل” أن أولى هذه الرسائل تأكيد “حزب الله” من جديد تقديم مصلحة إيران على المصلحة الوطنية، وثانيها توجيه رسالة تهديد دولية وإقليمية، وأخرى داخلية للدولة اللبنانية، معتبرة أنها تعكس عدم اكتراث بإطلالة العهد الرئاسي الجديد وخطاب القسَم للرئيس ميشال عون.

ورأت أوساط سياسية في بيروت ان حرص الرئيس عون أمس على تأكيد تمسكه بخطاب القسم يشكّل محاولة ضمنية للحدّ من الأجواء السلبية التي نجمت عن التعاطي مع العرض العسكري لـ “حزب الله” على أنه ردّ غير مباشر على الإشادات المتعاظمة لما تضمّنه خطاب القسَم عن الحاجة الى تحييد لبنان عن النزاعات الإقليمية.

وبرز ميل لدى بعض الدوائر السياسية للقول إن “حزب الله”، الذي باغت العهد الجديد بعرضه العسكري غير المسبوق أراد تقديم نفسه على أنه “جيش حماية لبنان” تارة من إسرائيل وتارة من التكفيريين، وأن الجيش اللبناني الذي يستعدّ لعرض عسكري الثلاثاء في ذكرى الاستقلال مجرد أداة لحماية الأمن الداخلي.

ورغم أن الإعلام القريب من “حزب الله” حرص على الترويج لـ “رسالة واحدة” أرادها الحزب “ضد الإسرائيليين والتكفيريين”، فإن آخرين رأوا في هذه المقاربة مجرد “بروباغندا” لا يحتاج اليها الحزب أساساً، وهو الذي تعمّد تجهيل “مَن يعنيهم الأمر” برسائله المدجّجة.

وهذا التجهيل لم يحل دون معرفة الأبعاد الحقيقة لـ “التظاهرة المدرّعة” التي أطلقها “حزب الله” الأحد الماضي. ففي تقدير أوساط خبيرة في سلوكه أن الهدف من “عرض القوة” كان القول إنه “باقٍ في سورية ويتمدد” في رسالة شبه حصرية للعالم العربي، خصوصاً دوله التي تضغط في اتجاه تكوين رأي عام دولي يطالب بانسحاب “حزب الله” من سورية أسوة بأي ميليشيات أخرى.

وتماشياً مع هذا الاعتقاد، ربطت بعض الدوائر بين العراضة العسكرية لـ “حزب الله” وإعلان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي -مون أن عبور مقاتلين تابعين لـ “حزب الله” الى سورية يشكل انتهاكاً للقرار 1701، الذي كان أنهى العمليات العسكرية في جنوب لبنان في أعقاب حرب الـ 33 يوماً في تموز 2006.

وكان لافتاً في سياق آخر أن كلام نائب الأمين العام لـ “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم عن أن حزبه تحوّل “جيشاً”، جاء ليؤكد ما كانت نشرته “الراي” في تقرير لها في 26 ايلول 2015 من أن “الرئيس السوري بشار الأسد قرر إعطاء حزب الله 75 دبابة ليصبح لهذه القوة المنظّمة غير النظامية أول لواء مدرّع تملكه من دبابات T-72 وt-55 وغيرها…”، وهي الدبابات التي أظهرها العرض العسكري أخيراً.

"الرأي الكويتية" - 17 تشرين الثاني 2016

إرسال تعليق

 
Top