0
أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، "ان جميع مؤسساتنا أصيبت بالوهن، بسبب التمديد المتمادي لمجلس النواب، والعجز الذي وقعت فيه السلطة، وان أكثر ما يؤلم وطننا في هذه المرحلة هو الفساد المستشري، وسببه الأساسي هو الانحطاط الذي ضرب المجتمع، فأصبحت كل مرتكزات الحكم خارج نطاق الكفاءة والأخلاق". واعتبر "ان الكنيسة هي الضامنة للقيم، ونحن لا نستطيع منفردين أن نقوم بأي واجب علينا إلا بمعاضدة الجميع".

ورأى الرئيس عون ان "المشرق اليوم، بجميع مسيحييه، يمر بفترة قد تكون الأصعب، لأنها تحاول اجتثاث جذور المسيحية في هذا الشرق"، مشيرا الى انه "وإن لم تكن عذاباتنا في لبنان جسدية فالعذابات المعنوية ترافقنا وتواكب أحلامنا لتحولها أحيانا الى كوابيس".

كلام رئيس الجمهورية جاء في خلال زيارة قام بها الى الصرح البطريركي في بكركي، حيث كان في استقباله البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي وبطريرك الروم الكاثوليك غريغوريوس الثالث لحام وبطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان وبطريرك الارمن الكاثوليك.

وتوجه الرئيس عون، الذي رافقه وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، مع البطاركة الى كنيسة الصرح حيث كان السفير البابوي المونسنيور غبريالي كاتشا ومطارنة الطوائف الكاثوليك، والرؤساء العامون والرئيسات العامات للرهبانيات، الذين رفعوا صلاة الشكر على نية الرئيس عون.

الراعي
وبعد الصلاة، ألقى البطريرك الراعي كلمة ترحيبية بالرئيس عون، قال فيها: "شرف كبير لنا في هذا الكرسي البطريركي ان تقوم فخامتكم بالزيارة الاولى الرسمية اليه، بعد انتخابكم رئيسا للجمهورية اللبنانية، مع ما تحمل هذه الزيارة من دلالات. فيسعدني أن أرحب بكم وأهنئكم مع اخواني اصحاب الغبطة البطاركة والسادة المطارنة والرؤساء العامين والرئيسات العامات، أعضاء مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، الذي يعقد دورته السنوية الخمسين. ويطيب لي أن أوجه باسمهم الى فخامتكم هذه الكلمة التي أعبر فيها عن تمنياتهم وانتظاراتهم ودعائهم".

ان تكون زيارتكم الرسمية الأولى الى بكركي، جريا على تقليد عريق، فللتعبير عن أن رئاسة الجمهورية والبطريركية المارونية تعملان معا بوحدة الكلمة والتعاون والسعي الدؤوب من اجل لبنان، كيانا ومؤسسات وشعبا. فنهج هذه البطريركية هو اياه الذي رسمه سلفنا البطريرك مار الياس بطرس الحويك ابو لبنان الكبير: "أنا بطريرك ماروني... أنا بطريرك لبنان... لقد نذرت حياتي من أجل القضية اللبنانية، التي اعتبرها قضية مقدسة... بما يخصني، ليس في لبنان طوائف، ولكن طائفة واحدة اسمها الطائفة اللبنانية" (المونسنيور عبدو يعقوب : الياس بطرس الحويك، بطريرك الموارنة بطريرك لبنان ، ص 390 - 391).

هذا النهج استكمله من بعده، خلفه البطريرك مار انطون بطرس عريضه، ابو الاستقلال الناجز في خطابه الشهير لجمهور اللبنانيين من كل الطوائف والمناطق والنزعات في 25 كانون الأول 1941، قال : "نصرح لكم بأن هذا الصرح البطريركي ليس وقفا على الطائفة المارونية فحسب، بل هو بيت جميع اللبنانيين، ووقف للمصلحة اللبنانية، لا فرق فيها بين طائفة وأخرى" (الخوري باسم الراعي: وثائق البطريرك انطون عريضه الوطنية، ص221).

وقال: "ولذا، نؤكد لفخامتكم دعمنا الكامل لكم بوصفكم "رئيس الدولة، ورمز وحدة الوطن، ولكونكم تسهرون على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة اراضيه وفقا لأحكام الدستور (الدستور المادة49)".

نستقبلكم، فخامة الرئيس، في كنيسة الكرسي البطريرك، لكي نرفع صلاة الشكر لله على انتخابكم رئيسا للجمهورية، بعد سنتين وخمسة أشهر من الفراغ القاتل. وبخاصة لأن انتخابكم وحد ما بين كبريات الكتل السياسية والنيابية التي تجاوزت انقسامات الماضي، ووحد ما بين فئات الشعب اللبناني، كمقدمة لمصالحة وطنية شاملة تحتاج الى استكمال في بداية عهدكم بتحقيق مشاركة جامعة ومتوازنة في الحكم والإدارة. إن نهوض لبنان وترقيه وازدهاره يحتاج الى الاتحاد بين جميع مكوناته والى توجيه طاقاتهم من اجله، فيما الخلاف يضعفه ويهدده.

هذا يعني ان انتخابكم اتى وفاء لنضالكم الطويل، لا كنقطة وصول وحسب، بل كنقطة انطلاق مسؤولة منكم، كربان لسفينة الوطن، نحو اقامة الدولة القادرة والعادلة والمنتجة، وسط رياح معاكسة، تعصف في منطقتنا المشرقية، ولبنان يتلقى الكثير من نتائجها السلبية. ما يقتضي الالتزام بالدستور والميثاق الوطني نصا وروحا من قبل القيادات السياسية والمسؤولين في الدولة كافة. انها فرصتكم، فخامة الرئيس، لتطبيق وثيقة اتفاق الطائف تطبيقا فعليا، منعا لشل قرارات الدولة في كل حين، وتجنبا لتفكيك اوصالها. وهذا يشكل الخطر الأكبر على الكيان. فلا بد، بادىء ذي بدء، وبالسرعة الممكنة، من إقرار قانون جديد للإنتخابات يكون حافزا لمشاركة كل فئات الشعب في هذا الواجب الوطني، ويؤمن المناصفة التي نص عليها اتفاق الطائف، ويساهم في تجديد النخب في القيادة الوطنية، ويضمن حق مساءلة الشعب لمسؤوليه ومحاسبتهم.

ولكن من اولى الأولويات ان يوفق رئيس الحكومة المكلف بالتعاون مع فخامتكم في تأليف مجلس الوزراء الجامع، بروح المشاركة الشاملة لا المحاصصة. لا يجوز في أي حال استبدال "سلة الشروط" بصيغ التشبث بحقائب وباستخدام "الفيتو" من فريق ضد آخر. وهذا امر مخالف للدستور ووثيقة الوفاق الوطني، ويدخل اعرافا تشرع الباب أمام آخرين للمبادلة بالمثل، وتعرقل مسيرة قيام دولة الحق والقانون. نحن نأمل إزالة هذه الغيوم السوداء عن بداية عهدكم.

من مقتضيات قيامة الدولة، التي ترغبون فيها، محاربة الفساد، ووضع حد لتدخل اهل السياسة في الإدارة العامة والقضاء والأجهزة الأمنية، واعتماد الكفاءة في مؤسسات الدولة والمساءلة والمحاسبة والثواب والعقاب.

ان الشعب اللبناني يتطلع اليكم، وقد عانى طويلا من تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي والاجتماعي والبيئي، حتى بات في معظمه فقيرا. انه شعبكم وانتم حماته: شبابنا وسائر قوانا الحية ينتظرون تحفيز طاقاتهم داخل الوطن؛ المناطق تطالب بتطبيق اللامركزية الادارية من اجل نموها ومساهمتها في إنماء الدولة؛ القطاع الخاص، الذي يشكل قوة لبنان، يحتاج تعاونا مع القطاع العام ودعما تشريعيا بناء".

ان الكنيسة في لبنان، المتمثلة حولكم الآن ببطاركتها ومطارنة ابرشياتها ورهبانياتها، مصممة، امانة منها للسيد المسيح ولرسالتها الإنجيلية، على مضاعفة جهودها في هيكلياتها الراعوية ومؤسساتها التعليمية العامة والتقنية والجامعية، والاستشفائية والاجتماعية والانسانية، من اجل خدمة شعبنا واجيالنا الطالعة وكل ذوي الاحتياجات الخاصة، ومن أجل تأمين المزيد من فرص العمل. يمكنكم الاتكال عليها، وهي تطالب الدولة بدعمها والقيام بواجبها نحوها وانصافها بتشريعاتها.

فلا يخفى على أحد دور الكنيسة في تعزيز ثقافة التعددية في الوحدة، والعيش معا مسيحيين وملسمين، والتربية على السلام المبني على العدالة والترقي والانماء، ما جعل لبنان صاحب نموذج تحتاج اليه المنطقة التي تمزقها الحروب المذهبية. ولا بد من أجل حماية رسالة لبنان السلامية في محيطه، من اعتماد سياسة ابعاده عن الصراعات الخارجية، كما وعدتم في خطاب القسم، جريا على خط سلفكم والحكومة.

لقد أردنا، من هذا العرض، يا فخامة الرئيس، ان نعبر لكم عن موآزرة الكنيسة لكم ولمؤسساتنا الدستورية والعامة. وأردناه استقبالا في كنيسة الكرسي البطريركي لنرفعه دعاء الى الله كي يسدد خطاكم في تحقيق امنياتكم الوطنية الكبيرة، ويفيض عليكم النور والنعمة لتحافظوا مع جميع معاونيكم على لبنان في كيانه ووحدته وتنوعه وحرياته، وفي انتمائه الملتزم بمحيطه العربي، حاملا اليه رسالة المحبة والتضامن والسلام. عشتم فخامة الرئيس! وعاش لبنان!".

عون
ورد رئيس الجمهورية على كلمة البطريرك الراعي، بكلمة جاء فيها:

"أصحاب الغبطة، سيادة الأساقفة، إخواني،

أنا اليوم على منبرٍ كنسي، في الصرح البطريركي الماروني، وتعاودني وقائع تاريخية سرد قسما منها غبطة البطريرك سيدنا، بطريرك الموارنة، وهي جزء من تاريخ لبنان الحديث".

اضاف: "إن دور غبطة البطريرك حويك الذي عمل على وحدة لبنان وسيادته، وجمع جميع طوائفه ومكوناته حول هذا الاستقلال وحول ميثاق واجب علينا احترامه، نعرفه جميعنا.
ولكننا نذكر أيضا التاريخ الذي سبق هذه الفترة، وأعني هنا عذابات الموارنة في مختلف مراحل التاريخ، سواء قبل قدومهم الى لبنان أو بعده، مع المماليك، مع الأتراك، ومع كل الفاتحين. لذلك، نجد في ترانيمناالليتورجية، وفي ألحاننا الكنسية، الحزن والتعب. ومن هنا نبدأ حياتنا الجهادية التي أوصلتنا الى ما نحن عليه".

وأعلن ان "المشرق يمر اليوم، بجميع مسيحييه، بفترة قد تكون الأصعب، لأنها تحاول اجتثاث جذور المسيحية في هذا الشرق؛ فما يصلنا عن العراق من أن بيوت المسيحيين هدمت في الموصل فور خروجهم منها ولم تنتظر القنابل، يؤكد هذه المقولة. ونحن في لبنان نعيش هذه الأخطار، وإن لم تكن عذابتنا جسدية فالعذابات المعنوية ترافقنا وتواكب أحلامنا لتحولها أحيانا الى كوابيس".

وقال: "إن جميع مؤسساتنا أصيبت بالوهن، بسبب التمديد المتمادي لمجلس النواب، والعجز الذي وقعت فيه السلطة. وأكثر ما يؤلم وطننا في هذه المرحلة هو الفساد المستشري الذي سد شرايين الدولة وجعلها في حالة عجز دائم. والسبب الأساسي هو الانحطاط الذي ضرب المجتمع؛ فأصبحت كل مرتكزات الحكم خارج نطاق الكفاءة والأخلاق. وكل عمل سلطوي لا يحترم بمعاييره القوانين والأخلاق يصبح جريمة، لأنه يسبب الأذى للأفراد وللمجتمع".

وتابع: "لذلك نعود الى الكنيسة التي تمتلك السلطة المعنوية، والتي تدافع عن القضايا الكبرى، عن العدالة، عن القيم الانسانية، عن الأخلاق.. لتساعد شعبنا في التربية وليس فقط في التعليم؛ فإذا كانت التنشئة السياسية هي علوم واختصاص فإن القضايا التربوية مرجعها الأخلاق، والأخلاق تعلو مرتبة عن القوانين. إن الأخلاق هي الرادع لكل مسؤول، وهي التي تمنعه من ارتكاب الشواذ، فالمسؤول هو القدوة، وكل من يمارس سلطة، سياسية كانت أو روحية أو اجتماعية، عليه أن يكون القدوة".

وقال: "نأمل الكثير الكثير من كنيستنا، لا بل كل كنائسنا، أن تقوم بهذا الدور التربوي الرائد، إذ من دون التربية لا يمكن أن يرتقي مجتمع، وأن تتحسن سيرته وسلوكه".

اضاف: "قلتها مرارا وأكررها اليوم، إن الكنيسة هي الضامنة للقيم، ونحن لا نستطيع منفردين أن نقوم بأي واجب علينا إلا بمعاضدة الجميع، وخصوصا الكنائس المسيحية التي تربي أجيالنا على الاخلاق والايمان والرجاء".

وختم: "أشكر غبطة بطريركنا بشارة الراعي على الحفاوة التي استقبلتموني بها، واشكر أيضا غبطة بطاركة الكنائس الشرقية، وآمل ان نتعاون جميعا لما فيه خير الكنيسة وخير لبنان".

بعد ذلك، انتقل الرئيس عون والبطاركة والسفير البابوي والمطارنة وسائر الحضور الى الصالون الكبير للصرح حيث صافح الرئيس الحاضرين وتداول مع البطاركة في مواضيع الساعة. وعلى الاثر غادر رئيس الجمهورية الصرح البطريركي مودعا بمثل ما استقبل به من حفاوة وتكريم.

مقبل
وكان رئيس الجمهورية عرض، قبل ظهر اليوم في قصر بعبدا، الاوضاع العامة في البلاد واوضاع وزارة الدفاع مع نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع في حكومة تصريف الاعمال سمير مقبل، الذي قال بعد اللقاء: "هنأت فخامة الرئيس على انتخابه وعرضت معه اوضاع وزارة الدفاع قبيل تشكيل الحكومة الجديدة".

واضاف: "ثمة آمال كبيرة معلقة على رئاسة العماد عون ولا سيما في هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها لبنان. وقد أتى خطاب القسم ليعبر عن تطلعات اللبنانيين باستعادة مؤسسات الدولة قدراتها في المجالات كافة، ولا سيما في المجالين الامني والعسكري، بهدف المحافظة على الاستقرار الذي تحقق خلال الفترة الماضية، على الرغم من الحرائق التي اندلعت في الجوار اللبناني. ولا يسعني في هذا السياق الا ان انوه بالتضحيات التي قدمها الجيش والقوى الامنية في حماية السلم الاهلي".

وتمنى مقبل التوفيق للعهد الجديد، معتبرا ان "مواقف الرئيس عون كانت وستبقى من اجل لبنان الواحد والسيد والحر والمستقل".

كرامي
من جهة ثانية، استقبل الرئيس عون الوزير السابق فيصل كرامي الذي هنأه بانتخابه وبحث معه في الاوضاع العامة في البلاد وقانون الانتخابات النيابية، كما عرض له للوضع في طرابلس والشمال. وقدم الوزير السابق كرامي لرئيس الجمهورية في مناسبة عيد الاستقلال كتابين: الاول عن الرئيس عبد الحميد كرامي للكاتب نصري الصايغ، والثاني عن الرئيس رشيد كرامي للكاتب جورج فرشخ.

ديوان المحاسبة
واستقبل الرئيس عون ايضا وفد هيئة ديوان المحاسبة برئاسة القاضي احمد حمدان وعضوية المدعي العام في ديوان المحاسبة القاضي فوزي خميس والقضاة عبد الرضى ناصر، ناصيف ناصيف وانعام البستاني. وحضر اللقاء رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان. وعرض الوفد لرئيس الجمهورية اوضاع ديوان المحاسبة. 

17 تشرين الثاني 2016

إرسال تعليق

 
Top