0
ماذا لو قرر رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط أن يقيم في كل بلدة من بلدات الجبل عروضا لمجموعات شبابية مشابهة للعرض العسكري الذي حصل في بلدة الجاهلية الشوفية الاحد الماضي، وهو لا يحتاج الى طلب المساعدة من أي جهة لاستكمال عدد الحاضرين، او المشاركين في العرض لأنه يملك من الأنصار ما يكفي، خصوصا اذا كانت المساعدة من الإخوة السوريين، لاسيما من المهجرين منهم الى لبنان، لأن هذه الاستعانة تشكل خطورة كبيرة على لبنان وعلى المهجرين أنفسهم، ذلك ان امتعاض اللبنانيين من مشاهدة سوريين مشاركين في عرض الجاهلية- على ما بدا أمام كاميرات الإعلام- كان كبيرا جدا، ومن دعاهم اليوم أو ساند مشاركتهم يمكن أن يدفع اكثر من غيره ثمن انغماس هؤلاء في اللعبة الداخلية اللبنانية فيما لو حصل ذلك اكثر.

لو أقام جنبلاط بالفعل عرضا لمجموعات من الملثمين، ومرتدي الثياب السوداء، مع أغان حربية وشعارات تشبه الشعارات التي وضعت على رؤوس الذين شاركوا في استعراض الجاهلية لقامت القيامة السياسية بكل تأكيد، ولاستنفرت القوى الامنية برمتها، ولاعتبر الأمر انقلابا عسكريا هدفه تقويض استقرار الدولة، ومحاصرة العهد الجديد الذي بدأ بانتخاب العماد ميشال عون رئيسا للجمهورية.

يمتلك من أشرف ونظم استعراض الجاهلية (ولو ببضع عشرات من الشبان) قدرة خارقة على الخلط بين الرياضي والعسكري، وقدرة على التوضيح الإعلامي: في كونه أخفى السلاح هذه المرة احتراما للدولة، أو لأن العدو «الصهيوني– الداعشي» الذي أنشئت السرايا لمحاربته لم يأت بعد.

طبعا اللبنانيون وغير اللبنانيين يعرفون حكاية هذه «السرايا» ومن يقف وراءها، ومن يزودها بالمال والسلاح، ومن يغطي تجاوزاتها ويغض الطرف عن ممارساتها، وآخرها تفجير سيارة عنجر بالجرم المشهود، كما يعرف اللبنانيون أيضا أن أهدافها ليس محاربة إسرائيل أو داعش.

بطبيعة الحال، فإن هذه الاستعراضات العسكرية في الجاهلية وغير الجاهلية، وفي هذا التوقيت بالذات، هدفها توجيه رسائل إلى الداخل اللبناني، أي إلى العهد الجديد، مفادها إفهام رموز هذا العهد، وداعميه ـ خصوصا الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط ـ ان هذه القوى التي تقف خلف الاستعراضات العسكرية، قادرة على تقويض الاستقرار اللبناني ومحاصرة العهد حيثما تشاء.

ولا تعتقد أوساط مطلعة على ما يجري أن التهديد يستهدف جنبلاط ـ كما ورد في بعض الخطابات ـ لأن جنبلاط اعتاد على التعايش مع مثل هؤلاء خلال حقبة الوصاية السورية وما بعدها، ويعرف أن رسائل «الصواريخ الورقية»، كما قال، لا تؤثر على صلابة موقفه الثابت الى جانب تدعيم مؤسسات الدولة التي من مسؤولياتها- وتعود لها - كامل الصلاحية في التعامل مع التجاوزات الأمنية وغير الأمنية.

وجنبلاط، وغيره من القوى المؤمنة بهذا المسار، وضعوا كل أوراقهم في سلة الشرعية، ولن يقدموا على أي عمل يعيد الفوضى ـ او الحرب الاهلية ـ الى البلاد، مهما كان نوع التهديد الذي يواجههم، لأن المصلحة العامة للشعبين اللبناني والسوري فوق كل الاعتبارات، ولا يغير هذه القناعة بعض العتب على جهات في وزارتي الداخلية والدفاع لديها القدرة على ان تمنع هذه الاستعراضات المحاصرة شعبيا (ودائما حسب الأوساط المطلعة ذاتها).

د. ناصر زيدان - "الأنباء الكويتية" - 27 تشرين الثاني 2016

إرسال تعليق

 
Top