0
يصعب التصديق أن «حقيبة وازنة» ما، أيا تكن، تقف حائلا دون إعلان حكومة جديدة اكتملت هيكليتها الأساسية وتم الاتفاق على توازناتها السياسية.

ويصبح التساؤل مشروعا حول السبب الفعلي الذي يؤدي الى حصول تعثر مفتعل في انطلاقة العهد الجديد المرتكز على قاعدة سياسية ونيابية عريضة.

ظاهر الأمور يفيد بأن المشكلة الحكومية ناجمة عن وجود تنازع وصراع حول الحقائب والأحجام استقرت كما في كل مرة في الملعب المسيحي، ويمكن اختصارها على هذا النحو:

تيار «المردة» يريد حقيبة أساسية وازنة حددها في واحدة من ثلاث: الطاقة أو الأشغال أو الاتصالات، وإلا البقاء خارج الحكومة والانتقال الى المعارضة، ويرفض فرنجية أي عرض يتعلق بوزارة أساسية أخرى مثل الصحة والتربية، ويصر على واحدة من هذه الحقائب الثلاث المحجوزة لـ «عون وبري والحريري».

فرنجية الخارج للتو من معركة رئاسية خاسرة كاد يربحها ويصير رئيسا قبل أشهر، يريد تعويضا سياسيا ومعنويا ويلقى تفهما عند حلفائه الأساسيين، حزب الله والرئيس نبيه بري، الذين يطالبون عون والحريري بإرضاء فرنجية وتلبية ما يطلبه، ولا يقتصر الأمر عند حدود التفهم وإنما يصل الى حدود تقديم دعم مطلق من خلال معادلة: لا حكومة من دون فرنجية ولا مشاركة فيها إذا لم يشارك، بما يعيد الى الأذهان تجارب سابقة بعد العام 2006 كانت الحكومات تتأخر فيها لأشهر تحت عنوان: لا حكومة من دون عون وإذا لم يعط الحقيبة التي يريد.

الرئيس ميشال عون يريد مشاركة فرنجية في حكومة لا تستثني أحدا ولكن ليس بشروطه وبالحجم الذي يطلبه، معتبرا إصراره على تولي واحدة من 3 وزارات حددها بأنه «ابتزاز».

ويرى عون أن إعطاء فرنجية حقيبة مثل التربية أو احتفاظه بالثقافة، يتناسب مع حجمه النيابي (كتلة من 3 نواب) ومع موقفه السياسي المعارض للعهد، وحيث خاض معركة سياسية وإعلامية قوية ضده وحتى اللحظة الأخيرة في جلسة الانتخاب وبعدها في مقاطعة قصر بعبدا مرتين: في الاستشارات وفي الاستقلال، والرئيس المكلف الحريري لا يمكن أن يعطي فرنجية واحدة من الوزارات الـ 3 بما في ذلك خصوصا وزارة الأشغال التي وعد بها القوات اللبنانية بعدما ارتضت أن تتخلى عن الوزارة السيادية.

يأخذ الثنائي الشيعي على الرئيس عون أنه يتجاهل حليفهما فرنجية ويساير خصمهما جعجع، فيعطي الأول أقل مما يحق له معنويا وسياسيا ويعطي الثاني أكثر مما يحق له كحجم وخصم.

وهنا يبرز أول خيوط المشكلة المتصلة بالأحجام المسيحية على طاولة مجلس الوزراء التي يجلس عليها طرف جديد هو القوات اللبنانية بحجم وازن وفي صلب محور العهد (عون ـ الحريري).

لذلك، فإن مواجهة الثقل الحكومي للقوات لا يكون إلا عبر ثقل مسيحي مواز من خارج حصة الرئيس وتياره.

ويمكن أن يكون هناك هدف آخر يتجاوز التوازنات المسيحية وهو تأمين ثلث معطل أو ضامن في الحكومة يكون «صافيا» للثنائي الشيعي وبمعزل عن حصة الرئيس وتياره أيضا.

في الواقع، ظاهر الأمور يفيد بأنه ليس هناك من عقدة مستعصية على الحل، خصوصا أن حزب الله الذي كسب معركة إيصال حليفه العماد عون الى رئاسة الجمهورية، له مصلحة في استكمال ما بدأه وكسب معركة إنجاح عون وليس معاملته المعاملة التي كانت مع الرئيس السابق ميشال سليمان، لكن ما هو حاصل من تأخر وتريث وتعثر في عملية تشكيل الحكومة التي كان يفترض إعلانها قبل عيد الاستقلال يشير الى أن المسألة ليست فقط مسألة تنازع حقائب وتبادل فيتوات، هي أبعد وأعمق من ذلك وتتصل خصوصا، وفي هذه المرحلة، بأمرين أساسيين:

٭ الأول: هو الواقع السياسي الجديد الناجم عن التسوية الرئاسية الحكومية التي أوصلت عون الى رئاسة الجمهورية وأعادت الحريري الى رئاسة الحكومة، والذي أدى الى خلط الأوراق السياسية بقوة والى حد يمكن الكلام معه عن حصول «انقلاب سياسي» في المشهد وفي الخارطة التي لم تعد قائمة على أساس فرز واصطفاف بين 8 و14 آذار، وإنما أصبحت قائمة على أساس وجود 3 لاعبين أساسيين (عون ـ الحريري ـ حزب الله) و3 محاور أساسية: المحور الشيعي (حزب الله ـ بري) والمحور السني (الحريري ومعه جنبلاط) والمسيحي (عون ـ جعجع).

هذا الواقع الذي أدى الى تعديل في قواعد تأليف الحكومة هو واقع جديد لم يسبق أن حدث منذ العام 2005 ونتج عنه «توازن سياسي جديد» في الحكم يحتاج الى وقت وجهد و«معارك سياسية» لتثبيته والاعتياد عليه والتكيف معه.

٭ الثاني: حالة الحذر والريبة الموجودة لدى الثنائي الشيعي، هذه الحالة موجودة بقوة لدى الرئيس بري الذي لأول مرة لا يفوز بمعركة رئاسية، ويخشى على دوره ونفوذه ويتحسب لقيام ثنائية سنية ـ مارونية في الحكم الذي صار اسمه العهد الجديد.

ولكن هذه الحالة موجودة أيضا لدى حزب الله ولأسباب إضافية.

فالحزب لديه نقزة وتوجس إزاء المنحى العام للأمور منذ وصول عون الى بعبدا، ولديه ملاحظات تتجمع على أمور كثيرة صغيرها وكبيرها.

وليس فقط المعاملة «الجافة» لفرنجية والمعاملة «المدللة» لجعجع، وإنما أيضا التفاعل «الحماسي» مع الاندفاعة الخليجية باتجاه لبنان، والتشكيك بحزب الله وأنه لا يريد حكومة سريعا وتسهيل أمور العهد، مثلما كان التشكيك به سابقا بأنه يريد رئيسا للجمهورية ويريد عون رئيسا، والى حد أن المشكلة تحولت بين ليلة وضحاها مشكلة مارونية ولم تعد مشكلة سنية ـ مارونية.

هذا المنحى غير المريح يدفع باتجاه عملية معالجة وتطويق عبر توضيحات واتصالات سيكون أهمها بعد أيام، في موازاة عملية تشكيل الحكومة، لقاء مصارحة ومكاشفة بين قيادتي الحزب والتيار، وكان أبرزها قبل يومين الاتصال المطول الذي أجراه السيد حسن نصرالله مع الرئيس ميشال عون وكان جيدا للغاية في مضامينه الوجدانية والسياسية، مؤكدا في خلاله عون أنه باق بعد الرئاسة مثلما كان قبل الرئاسة. 

"الأنباء الكويتية" - 26 تشرين الثاني 2016

إرسال تعليق

 
Top