0
بالرغم من التفاعلات غير العادية للانتخابات البلدية وما رافقها من كلام واتهامات وتعليقات، تنشغل الأروقة السياسية والشعبية بالحديث عن حفلات الزفاف الكبيرة التي حصلت في لبنان، وجاءت متقاربة في مواعيدها، كأنها سباق لتسجيل أرقام قياسية في الإنفاق المالي، أو لتسجيل اكبر استعراضات غير مسبوقة في هذا السياق. وبدا كأن حجم العرس وملابس العروس وحليها، تدل على رفعة شأن العريس ومكانة أهله وعلى موقعهم السياسي والاجتماعي.

ينقل عن نيكيتا خروتشوف الذي حكم الاتحاد السوفييتي السابق بين العام 1953 والعام 1964، انه قال لمن عاتبه على دعوة 12 شخصا فقط في عرس ابنته الوحيدة رادا: «لا أستطيع تغطية تكاليف حفلة أكبر من هذا الحجم» وكان خروتشوف معروف بقساوته، وشدة تعلقه بالسلطة، وفي كبريائه الذي جره إلى رفع حذائه على منبر الأمم المتحدة عام 1960، مهددا الولايات المتحدة الأميركية اذا ما غزت كوبا.

وينقل الكاتب نبيل هادي عن كمال جنبلاط (كتاب التحدي الكبير ص 83) ان جنبلاط كان في أيامه الأخيرة يعمل على جمع مبلغ يساوي كل الرواتب التي قبضها من خزينة الدولة طيلة فترة توليه النيابة والوزارة، لإعادتها إلى صندوق مجلس النواب. ربما من باب المصادفة أن تجري حفلات الأعراس الشهيرة في الفترة الأخيرة لأبناء مسؤولين، منهم رؤساء سابقين ووزراء ونواب حاليين وسابقين، وكبار الموظفين في الدولة من مختلف القطاعات، وبينهم متعهدين كبار لتنفيذ أشغال في مرافق حكومية، أو بلدية.

احدهم حجز ثلاث طائرات خاصة لنقل المدعوين لعرس ابنه في المغرب، وآخر أضاء سماء مدينة عاليه بكاملها منذ أشهر قريبة وأشعلها بالمفرقعات - رغم انه ليس من أبناء المدينة - وثالث حول ليل وادي نهر الكلب إلى نهار، ورابع تواضع واستبقى سهرة عرس ابنه في كازينو لبنان، وخامس شبه عرس ابنه بحكاية ألف ليلة وليلة وسط بيروت، وسادس... وسابع على ذات المنوال.. والسبحة طويلة.

والمفارقة التي لم تغفل عنها شبكات التواصل الاجتماعي ـ وأحيانا ربما تكون ظالمة ـ ان توقيت هذه الأعراس الباذخة يترافق مع وضع مأساوي يعيشه أغلبية اللبنانيين، ومعهم مئات الآلاف من النازحين السوريين، فالفقر والعوز يطرق الأبواب، والبطالة بين صفوف الشباب بلغت رقما قياسيا، والمؤسسات الحكومية والخاصة تعاني من اختناق مخيف، وأشلاء الجثث، وآثار الدماء تفترش أرض سورية الشقيقة. وملايين الناس محرومون من أبسط مقومات الحياة، لكنهم يتواصلون مع «الميديا الحديثة» كما أن أصوات الحفلات الصاخبة تصل إلى آذان اللبنانيين والسوريين، والحياة بين الشعبين متداخلة في بعض جوانبها.

وتترافق حفلات الزفاف الصاخبة مع إجراءات أمنية وقائية تقوم بها الأجهزة المختصة، لأن هذه الحفلات يحضرها مسؤولون على أعلى المستويات، إضافة إلى شخصيات مالية، ورجال أعمال بطبيعة الحال.

في 14/4/2015 أجبرت الوزيرة السويدية مانا سالين على الاستقالة لأنها اشترت بنزينا لسيارتها الخاصة بمبلغ 60 دولارا أميركيا من حساب خزينة الدولة، علما أنها أعادت المبلغ في اليوم التالي، ولكن القضاء السويدي اعتبر الأمر استغلالا للسلطة، وهدرا للمال العام.

في لبنان صدر قانون الإثراء غير المشروع رقم 154 في 27/2/1999، والزم كل من يتولى وظيفة عامة - بالانتخاب أو بالتعيين – على تقديم تصريح عن ممتلكاته قبل تولي الوظيفة. ولكن يلاحظ أن أغلبية المسؤولين دخلوا إلى الوظيفة بوضع مادي متواضع، وبعد سنوات بدت عليهم مظاهر الثراء بشكل واضح، ومن هؤلاء بعض الذين ينظمون الأعراس الصاخبة لأبنائهم، وربما لسائقيهم والمرافقين لاحقا. 


د. ناصر زيدان - "الأنباء الكويتية" - 1 حزيران 2016

إرسال تعليق

 
Top