0
مع برودة الملفات الخلافية اللبنانية التي فرضتها عطلة الاعياد من جهة، وتقدم الحدث الاقليمي العالمي من فيينا الواجهة، تعكف الاطراف السياسية اللبنانية على اعادة ترتيب اولوياتها وتحديد اطر تحركاتها، اذ ان ما قبل 14 تموز لن يكون كما قبله من دون شك، رغم اختلاف الاجندات فيما بينها، والذي ينعكس تضاربا في المواقف حيال قراءة نتائج الاتفاق الايراني-الغربي وتداعياته التي ستطال حكما لبنان عاجلا ام آجلا.
فقد فتح الاتفاق النووي الغربي-الايراني، الباب واسعا امام التكهنات حول تداعياته الاقليمية من ارساء للتسويات والحلول السياسية في المنطقة، في مقدمها تعزيز الحرب ضد الارهاب وتمدد الحركات الاصولية وتضييق الخناق عليها، مقابل وقف الانفلاش الايراني بحسب مصادر في 14 آذار، في دول المنطقة استنادا الى خريطة الطريق يفترض ان تكون «المفاوضات الموازية» التي شهدتها احدى الدول الاوروبية بعيدا عن الاعلام، بين طاقمين ايراني واميركي، قد حددت خطوطها العريضة، من الصراع الاسرائيلي - الفلسطيني وصولا الى العلاقات الايرانية-السعودية وانعكاسها سلبا على الازمات العربية المشتعلة في العراق،سوريا، لبنان واليمن.
واذا كان الاوروبيون قد نجحوا على خط الاتصالات مع «حماس» في احراز تقدم واضح على المسار الفلسطيني ـ الاسرائيلي من جانب واحد في ظل تشدد تل ابيب الواضح وتوجهها نحو مزيد من التعنت بانتظار حصولها على الضمانات الاستراتيجية التي تحفظ امنها القومي وتعيد تفوقها في المنطقة بعد الخلل الذي سببه اتفاق فيينا، فان فتح الطريق على جبهة الرياض- طهران لن يكون اسهل، رغم تحرك «كاسحات الالغام الاوروبية باتجاه المملكة التي لم تبد اي مرونة قبل حصولها على تعهدات واضحة وبضمانات دولية عنوانها «سلة عقوبات جديدة» ضد الجمهورية الاسلامية ترتبط هذا المرة بسلوكها العدواني في المنطقة، بحسب ما يؤكد مصدر دبلوماسي رفيع.
وفي هذا الاطار تكشف مصادر فرنسية في بيروت ان باريس اعادت تفعيل خطوط الاتصال مع طهران في ما خص الملف اللبناني آملا في حدوث اختراق معين يحفظ على الاقل الاستقرار المعرض للاهتزاز والانتكاس بشكل خطر، رغم قناعة الجميع بان الاولوية الايرانية حاليا هي اقتصادية بحتة، وهي نقطة التقاطع الاساسية مع الطرف الاوروبي الساعي الى الاستفادة القصوى من الانفتاح الغربي نحو طهران، وهو ما تعتبره فرنسا بابا لها يعيد انتاج تسوية سياسية لبنانية جديدة، بحسب ما المح اليه السفير الفرنسي في بيروت منذ ايام، عندما تحدث عن الصيغة اللبنانية الحالية العاجزة عن فرز توافق لبناني.
واذ يبدو واضحاً ان غالبية فريق الثامن من آذار تراهن، على المكاسب الاستراتيجية التي حققتها إيران، والتي تصب لمصلحة هذا الفريق ولا سيما حزب الله، ما يفرض «تسييلها» في لبنان على ارض الواقع، مقابل رأي آخر يرى ان ساحات المنطقة ذاهبة الى مزيد من السخونة، ثمة من يراهن على اتجاهات تسْووية من شأنها ان تدفع بالأزمات اللبنانية نحو مخارج محتملة في المدى المتوسط، إذ ترى اوساط سياسية مراقبة، أن تراتبية الملفات تبدأ من اليمن فالعراق ثم سوريا، التي قد تطول الحرب فيها تبعا للعامل الروسي المتمسك بالنظام القائم ريثما يتم التوافق الدولي على بديل يرضيها، فيما يقع لبنان في آخر السلم لجملة أسباب أهمها اثنان: الاستقرار السياسي والأمني النسبي القائم فيه رغم بعض التشنجات، دون اسقاط احتمال حصول انفراجات على مستوى علاقة المكونات السياسية للحكومة، في اطار تسويات جزئية، وهو ما عبر عنه الرئيس بري، ولارتباطه الوثيق بالحلول السورية.
فبين استغراب الرئيس ميشال سليمان وتفاؤل الرئيس نبيه بري وآمال الرئيس تمام سلام وتشاؤم النائب وليد جنبلاط مقابل ترحيب واسع من حزب الله، يختلط المشهد السريالي الداخلي ازاء انعكاسات ترجمة اولى مفاعيل الاتفاق النووي الذي تتوقع اكثر من جهة اوروبية ان يكون لبنان محك اختبارها باعتبار ان ملف ازماته هو الاسهل بين دول المنطقة.

ميشال نصر - الديار 17 تموز 2015

إرسال تعليق

 
Top