0
هل يمكن اليوم المراهنة على قيام موقف عربي وازن يجعل قرار العرب بيد الدول العربية متضامنة، ويضيء شعلة أمل في آخر النفق المظلم، بعدما تحوّلت ساحات المنطقة إلى ملعب مفتوح لمصالح الآخرين؟
وهل من الممكن أن تتمكن الدول العربية من صناعة وكتابة التاريخ، وحماية الجغرافيا من الطامعين في أرضها وحدودها؟
قبل وقت غير بعيد، كانت القضايا التي تزدحم بها الساحة العربية، ترسم حدوداً ما بين الدول والشعوب، ولكن المجال ما زال متاحاً للتطرّق في العمق إلى أسباب هذا التباعد، وللمباشرة في رسم خريطة طريق لقيام تضامن عربي صلب، يعمل من خلاله القادة العرب على التنسيق والتشاور فيما بينهم لتوحيد الأسرة العربية.
والخطوة الأولى في مسيرة التضامن العربي تبدأ بعملية حوار من دون مزايدات تحقّق الإنماء المتكامل وحقوق الإنسان والتحديث الاقتصادي، مع حماية الإرث العربي والإنسان في مجتمعاتنا العربية، فهناك مجتمعات تعيش اليوم حالة محزنة مزرية من الانحلال والتمزّق والتفكّك والكراهية والتناحر بين المواطنين، ومن الضعف والوهن.
إن المناخ الحواري والتواصلي التضامني الشامل الذي أطلقته القيادة السعودية في العامين الماضيين، يؤسّس لثقافة التفاعل والتكامل بين الشعوب العربية، كما بين الديانات والحضارات في المنطقة، خصوصاً أن هذه الشعوب خائفة وقلقة ومحبطة، والبعض منها لا يثق بحكامه، فالقضايا الاقتصادية والاجتماعية تؤثّر على مجرى حياة المواطن العربي اليومية، وهي مرتبطة بلقمة العيش والعمل والمسكن والطبابة والدراسة.
إنها ثقافة مناقضة للتطرّف والتصادم.
إنها ثقافة مواجهة للإلغاء والإقصاء، وتنطلق من ميادين الحياة نفسها، من خلال التفاعل المباشر بين المجتمعات، وليس فقط في المواقف والبيانات.
إن هذه الثقافة تولّد خطاباً جامعاً بين العرب، خطاباً عقلانياً وليس تصادمياً أو استفزازياً متزمّتاً، يعيد إنتاج ثقافة الحروب.
إنها ثقافة تؤسّس لخلاص الأمة العربية الذي يتحقّق من خلال تحرير الإنسان العربي، وبناء الدولة العربية الموحّدة الجامعة لكل أبنائها، والحاضنة للإنسان العربي في كل الوطن العربي، ما يدفع نحو تحقيق الهدف الأساسي، وهو تلاقي مصالح الشعوب العربية على خريطة طريق واحدة، خصوصاً في ظل الظروف الصعبة التي تمرّ بها المنطقة.
إن مثل هذا التوجّه التضامني، يأتي في وقت تبرز فيه الحاجة إلى دول عربية مجتمعة، وتستعيد معه عناصر القوة الوازنة والمؤثّرة في مواجهة التحدّيات والاستهدافات العدوانية التوسّعية الإسرائيلية، وذلك لإطلاق مسيرة ترتيب شؤون البيت العربي، تمهيداً لإنجاز التضامن العربي على كل المستويات.
فمع «صفقة القرن» دخل الصراع مع إسرائيل نفقاً مظلماً لا نور فيه، ولا أمل منظوراً في القريب، ما بات يطرح ضرورة التصدّي لكل التحرّكات الإسرائيلية الهادفة إلى تهويد الضفة الغربية والقدس.
إن الاستراتيجية السعودية اليوم، تساهم في بثّ روح جديدة في الجامعة العربية، وتتجلّى معالمها في الاجتماعات والقمم الأخيرة، بحيث باتت قادرة على صنع التاريخ. وبالتالي، استطاعت الدول العربية أن تتعامل بصلابة مع كل الرهانات على انقسامات صفوفها، فتحقّقت خطوات ضرورية في مسيرة التضامن العربي الذي سيبزغ معه فجر جديد للقيادة العربية.
فكل الرحلات تبدأ بخطوة، وهذه الخطوة قد سُجّلت في الوقت الذي بات فيه النظام الدولي يتحوّل من نظام آحادي القطب، إلى نظام متعدّد القطب، واليوم، وعلى وجه الخصوص، تبدو الساحة العربية في حاجة ملحّة إلى جبهة موحّدة يبرز فيها التضامن العربي بصورة إيجابية تنتزع احترام المجتمع الدولي، وتؤسّس لمعادلات جديدة تغيّر في حياة الشعوب العربية، وتبثّ روحاً جديدة على الساحة العربية قادرة على صنع التاريخ.

المحامي نصري لحود - الراي - الاحد 21 نيسان 2019

إرسال تعليق

 
Top