0
يوم أطلقت إسرائيل عملية أسمتها «يوم الحساب» أو «حرب الأيام السبعة» (التسمية اللبنانية) من 25 حتى 31 تموز 1993، نجا قائد لواء المشاة الحادي عشر العقيد الركن ميشال سليمان بأعجوبة حين شاء القدر ان يترجل من الجيب ويدخل الخيمة العسكرية قبل ان تستهدف غارة اسرائيلية الآلية وتقتل سائقها ومعاونه الشهيد ريمون البطحاني على بعد أمتار قليلة من الخيمة.
ويوم أرسل عميد الكتلة الوطنية ريمون اده برقية تهنئة من منفاه الباريسي يبدي فيها إعجابه بقيادة الجيش وضباطه ويعزي القيادة ومن خلالها أهالي الشهداء الذين سقطوا في معركة الضنية في مطلع العام 2000 دفاعًا عن كرامة لبنان لم يكن يجامل أحداً، والكل يعرف ان ريمون اده المعارض النظيف لا يعجبه العجب، لكن حكمة قائد الجيش العماد ميشال سليمان وذهابه في مروحية خلافًا لرغبة غرفة العمليات متحديًا المخاطر لمواكبة جنوده في بقعة الاشتباك مع الارهابيين في جبال الأربعين وعاصون وجرد النجاص وبقاعصفرين، كانت موقع تقدير لدى اده واللبنانيين كافة، وأظهرت صورة مشرقة عن الجيش اللبناني في عزّ الانتشار السوري في الشمال. الجيش الذي كشف الخلايا الارهابية وحاصر أوكارها وطاردها في الجبال والوديان وانتصر عليها. كان ذلك قبل عملية 11 ايلول الشهيرة يوم ضرب الارهاب البرجين وهزّ أركان الولايات المتحدة الأميركية.
ويوم اغتالت أيادي الشرّ شهيد لبنان الكبير دولة الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005 وحاول من حاول طمس القضيّة وطيّ صفحتها بعد ساعات معدودات، وكأن اغتيالًا لم يحصل، تارًة بالعبث بمسرح الجريمة وتارًة أخرى من خلال منع التظاهر ومحاولة تكبيل يد الجيش اللبناني من قبل السلطة الحاكمة بأوامر تبدأ بمنع حريّة التعبير وتصل إلى قمع المتظاهرين السلميين وضربهم بأعقاب البنادق، اتخذ العماد سليمان القرار الأصعب ونجح في التملص من رغبة السلطة من دون تسجيل أي مخالفة للدستور الذي يكفل حريّة التعبير ومن دون مسايرة بعض الراغبين في إقامة حواجز لعرقلة وصول المشاركين من الشمال والجنوب والبقاع وجبل لبنان وبيروت يوم 14 اذار 2005، أو على الأقل تقليص أعدادهم التي تجاوزت المليون بفضل الجيش وحنكة قيادته التي أفسحت أوسع مجال للتجمهر والتعبير عن الرأي والرأي الاخر واتخذت كل التدابير للحفاظ على سلمية التجمع الشعبي الأكبر في تاريخ لبنان، وتأمين سلامة الأملاك العامّة والخاصّة في آن، ما جعل الجيش ركنًا أساسيًا وحجر زاوية في ذلك اليوم المجيد.
ويوم أطلّ الارهاب برأسه من مخيم نهر البارد وغدر عسكريين في طرابلس والقلمون وطريق العبدة – المحمرة في عكار، ثم رفع السيد حسن نصرالله سبابته معلنًا ان دخول المخيم «خط أحمر»، اجتاز العماد قائد الجيش كلّ الخطوط، ودخل الجيش عمق المخيم كاسرًا رقبة الارهاب، منتصرًا لكرامة لبنان وشعبه وجيشه وأهالي الشهداء الأبطال.
ويوم بدأت المفاوضات عشيّة الاتفاق على قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الذي أوقف العمليات العسكرية الاسرائيلية على «حزب الله» بعد 33 يومًا من الحرب في شهر تموز 2006، لعبت قيادة الجيش دورًا مركزيًا من خلال التعهد أمام المفاوضين (منهم السفير البريطاني جيمس وات) بوضع خطة عملانية تتضمن تعبئة العناصر لنشر زهاء 15 ألف عسكري في الجنوب إلى جانب 15 ألف جندي من قوات اليونيفيل. وبعدها، زار العماد سليمان ومعه كبار الضباط منطقة الناقورة ورفع العلم اللبناني في بلدة اللبونة الحدودية بعد غياب للجيش قارب الـ30 سنة.
ويوم كشف رئيس مجلس النواب نبيه بري في مقابلة اجرتها معه محطة «العربية» الثلاثاء 17 تشرين الأول 2006 في جنيف، أن قائد الجيش العماد ميشال سليمان بات على الحدود في الجنوب ونام في خيمة، قال بري: «إذا كان قائد الجيش ينام في خيمة على حدود لبنان، فلبنان كله أصبحت عليه خيمة من الحماية».
وبعد انتصارات جيشه في ساحات الشرف، ثم رفضه التعهد مسبقًا لأي فريق سياسي قبيل انتخابه ما اخر الانتخاب أشهر عدّة، أقسم الرئيس التوافقي العماد ميشال سليمان اليمين الدستورية في 25 ايار 2008 حالفًا بالله العظيم ان يحترم دستور الامة اللبنانية وقوانينها ويحفظ استقلال الوطن اللبناني وسلامة اراضيه.
ميشال سليمان صان دستور بلاده طاعنًا بالتمديد للمجلس النيابي ما عطّل نصاب المجلس الدستوري لتمرير التمديد، كما صان دستوره الخاص المكون من خربشات وخواطر كتبها الضابط سليمان في مراحل عدّة من حياته العسكرية، معتبرًا في أحدى الصفحات المكتوبة سنة 1992 انه لا يجوز للحاكم توزير الأبناء ولا الأصهرة ولا تعيينهم في أي مركز خلال ولاية حكمه، كما لا يجوز ان يمدد لنفسه تحت اي ظرف.. الرئيس سليمان أعلن سنة 2012 عن رفضه التمديد لنفسه، خلافًا لأمنيات أقرب المقربين ومن بينهم كاتب هذه السطور، ثم قال «لا» غير قابلة للتراجع سنة 2014 حين زاره سفير أميركا عارضًا التمديد وبعده سفير فرنسا للغرض عينه تجنبًا للفراغ في سدة الرئاسة.
ميشال سليمان ابتدع «صيغة سحريّة» إسمها «تحييد لبنان» وافقت عليها كلّ القوى المشاركة في هيئة الحوار فكان «إعلان بعبدا» الذي تبنته الأمم محط إعجاب الدول كافة، قبل ان يدير «حزب الله» ظهره لتوقيعه متجهًا للقتال في سوريا ومتدخلًا في بلدان عربية عدّة خلافًا لرغبة لبنان الرسمي في الحفاظ على أفضل العلاقات مع الأشقاء العرب المتفهمين موقفه الساعي لتحييد نفسه عن صراعات المحاور وانعكاساتها السلبية على أمنه واقتصاده والنمو.
ميشال سليمان أعاد لبنان إلى الخارطة العالمية من خلال سياسة خارجية ناجحة بعد ان كان لبنان في عزلة دولية (كما اليوم)، وبعد ان زار عواصم القرار حاملًا راية السيادة التي تبدأ بالتزام التحييد مرورًا بإنشاء المجموعة الدولية لدعم لبنان ثم تقديم مسودة تصور لاستراتيجية دفاعية تعطي الدولة حصرية حمل السلاح، ناهيك عن إعادة بناء أفضل العلاقات مع الدول العربية كافة، وتحصيله هبة الـ3 مليارات التي قدمتها المملكة العربية السعودية لتسليح الجيش، قبل ان يتم تجميدها بفعل الحرتقة الداخلية من قبل المتضررين من علاقة لبنان المميزة مع المملكة والرافضين تجهيز الجيش بعتاد كانت بمثابة الحلم الوطني.
لهذه الأسباب وغيرها، اجتمعت نخبة سيادية تحت راية «لقاء الجمهورية» لاستكمال ما بدأه الرئيس سليمان وإعلاء الصوت السيادي الحرّ، البعيد عن الغايات الشخصية والمطامع.
لقاء وطني عابر للمذاهب والطوائف والصغائر، يحمل ما يحمل من بذور لبناء دولة الحق مناديًا بتطبيق الدستور. فلا شيء غير دستور لبنان كفيل بانتشاله من القعر في زمن نتوهم فيه اننا في قمة.

بشارة خيرالله - اللواء 24 كانون الثاني 2019

إرسال تعليق

 
Top