0
تتصرف بعض الأحزاب السياسية في لبنان وفقا لمنطق الغالب والمغلوب، وعلى قاعدة «انتصار الخط» أي أن الخط الذي ينتسبون اليه حقق مكاسب سياسية وعسكرية، ويجب أن يترجم هذا الأمر على أرض الواقع من خلال تشكيل الحكومة، وبواسطة تحقيق مكاسب سياسية وإدارية ومالية أحيانا، من دون أن تكون هناك قوة أخرى تستطيع الوقوف في وجههم، أو منعهم من ذلك.

وما حصل إبان المفاوضات على تشكيل الحكومة الجديدة، برهن بالملموس على أن جهات سياسية تتصرف على قاعدة جديدة تتلخص في كونها تعتبر أن حصتها الوزارية تحصيل حاصل، وثابتة، وهي تملك من القوة ما يجعلها تتدخل لفرض مقاسمة الآخرين في حصتهم.

ورافق القسوة السياسية التي عبرت عنها بعض المجموعات «الممانعة» فوضى ميدانية مسلحة، كادت تهدد الاستقرار الأمني الذي تنعم به البلاد. حصل ضغط كبير على رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في بداية الأمر، وقد استوعب جنبلاط الهجوم، بتقديم تنازل من حصته المحقة في الحصول على كامل المقاعد الدرزية في الحكومة لتسهيل مهمة التأليف والإسراع فيها تلافيا لخطر السقوط في المحظور الاقتصادي، وربما لإبقاء «شعرة معاوية» قائمة مع النائب طلال أرسلان مراعاة للخصوصية الدرزية، وتحسبا لإمكانية إعادة التعاون في المستقبل.

ثم انتقل الضغط الى د.سمير جعجع رئيس القوات اللبنانية لتحجيم حضور «القوات» الوزاري في الحكومة، وانتهت الأمور الى حل العقدة القواتية وفقا للأصول المعتمدة في عملية التأليف. لكن إعطاء القوات حقها ربما كان الشرارة التي أزعجت جهة فاعلة بقوة الأمر الواقع، ومن يقف خلفها، فانطلق الهجوم على الرئيس المكلف سعد الحريري، عن طريق فرض تمثيل مجموعة من النواب «السنة» معظمهم شاركوا في الاستشارات النيابية مع كتل نيابية ستتمثل في التشكيلة الحكومية. والهجوم على الحريري شمل التهديد بإعادة الاستشارات النيابية لاختيار بديل عنه لتشكيل الحكومة.

تتصرف قوى تربطها علاقات قوية مع محور «الممانعة» على قاعدة أن التوازن السياسي في لبنان اختل لصالحها. والقوى التي لا تتفق معها يجب أن تنصاع لهذا المعطى الجديد.
على أرض الواقع، لا يمكن التسليم بهذه الفرضية لمجرد أن الأوضاع في سورية تغيرت بعض الشيء لمصلحة النظام. بل إن هناك توازنات داخلية لبنانية لابد من احترامها، كما يجب احترام نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، ولكون قوى اساسية في البلاد لا تتفق مع خط «الممانعة» وربما يشمل عدم الاتفاق «أغلبيات ساحقة في طوائف أساسية»، كما أن هذه القوى - أو الطوائف - التي تعارض ربط لبنان بما يجري في سورية، حصلت على تأييد قوى دولية كبرى ترى فيها ضمانة لتنفيذ مقررات المؤتمرات الدولية التي عقدت لمساعدة لبنان، ومنها مؤتمر «سيدر» وليس لهذه القوى الدولية ثقة بالقوى الأخرى لتنفيذ هذه البرامج. الرئيس ميشال عون يعرف تفاصيل الخريطة «الديموغراسية» اللبنانية جيدا، والرئيس نبيه بري يدرك أبعاد التوازنات الداخلية والخارجية، وانطلاقا من هذا الإدراك صرح: بأنه يرفض الضغط على الرئيس سعد الحريري أكثر من ذلك، لأن نتائج الضغط قد يؤدي الى انفجار.

ناصر زيدان - "الأنباء الكويتية" - 15 كانون الأول 2018

إرسال تعليق

 
Top