0
دَخَلَ لبنان منعطفاً هو الأخطر منذ بدء أزمة تشكيل الحكومة الجديدة، بعدما بدت البلاد في الأيام الأخيرة وكأنّها فوق «برميل بارود» موصولٍ بـ«فتائلَ» عدّة تَشابكتْ في غمرة انتقال «عضّ الأصابع» الى المرحلة الأكثر إيلاماً، إما لاستيلاد حلٍّ مِن على «حافة الهاوية» وإما للإمعان في إبقاء الواقع اللبناني على «كرسي الانتظار» يتلقى تباعاً «صعْقاتٍ محسوبة» ينضبط معها التأزُّم تحت سقف مقتضيات المسارات الاقليمية الحاسمة التي لطالما ارْتبط بها عبر لعبة «الأوعية المتّصلة».

فالمَشهد الذي ارتسم في اليومين الماضييْن، حَمَلَ إشاراتٍ بالغةِ الحساسية عكستْ «تَضخُّم» عقدة إصرار «حزب الله» على توزير أحد النواب السنّة الموالين له، سياسياً ومذهبياً، وسط خشيةٍ من ألا يعود مُمْكِناً لـ«مانعات الصواعق» المعهودة من ان تَضبْط «تشظياتِ» التدافُع الخَشِن المتصاعِد.

ويزداد ارتياب الأوسط السياسية من «كلمة السرّ» التي أَطْلقتْ حملةً مزدوجة على الرئيس المكلف سعد الحريري ولم توفّر والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري: تولى شقّها الأوّل «حزب الله» عبر «نبْش» نواب منه «مسؤولية» الحريري الأب والمسار الذي بدأ معه العام 1992 عن مآل الواقع الاقتصادي - المالي وصولاً الى اتهام النائب وليد سكرية، عضو كتلة نواب الحزب وأحد النواب السنّة الذين يصرّ «حزب الله» على توزيرِ أحدهم، الحريري الابن بأنه جزءٌ من مشروع أميركي - اسرائيلي.

أما الشقّ الثاني من الحملة، فقادَه الوزير السابق وئام وهاب الذي شنّ أقذع الحملات على الرئيسين سعد ورفيق الحريري والتي قوبلتْ بغضبٍ في الشارع السني واستنكار عارم من المرجعيتين السياسية والروحية الدرزية قبل ان ينقل وهاب التوتر الى الجبل الذي عاش ليلة «مُقْلِقةً».

وفيما كانت بيروت تنتظر عودة رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل من الخارج (أجرى امس محادثات في الفاتيكان) لاستكمال البحثِ عن حلّ لعقدة سنّة 8 مارس من بين سلّة الأفكار التي طَرَحَها والتي تساقطتْ الواحدة تلو الأخرى وسط تركيزٍ إعلامي على أنه لم يبقَ في «الميدان» إلا مَخْرج توزير شخصية من خارج النواب الستة تكون من حصة الرئيس ميشال عون، لاحظتْ الأوساط السياسية أن فريق 8 مارس يُطْلِق العديد من الإشارات التي تعبّر عن هدفٍ رئيسي يتمثّل في ان يرسو حلّ هذه العقدة بشكلٍ يُسقِط ورقة الثلث المعطّل من يد فريق عون واستطراداً جعْل الحريري يَخْرج من هذه «المعركة» مُهَشَّماً معنوياً بفعل تكريس «حزب الله» منطق كسْر أحادية تمثيله للطائفة السنية.

ولعلّ الأكثر تعبيراً، ما نُقل عن أوساط رئيس البرلمان نبيه بري من أن المطلوب تنازلات «مثلثة الضلع»، بحيث يستقبل الحريري النواب الستة، ويقبل هؤلاء بأن يتمثلوا عبر شخصية قريبة منهم، ويوافق عون على ان يكون التوزير من حصته، فيكون «حزب الله» انتزع اعترافاً من الرئيس المكلف بحيثيتهم كمجموعة وكسْر الثلث المعطّل لعون.

وإذ ربطتْ الأوساط بين الحملة الممنهجة على الحريري وبين رغبة 8 مارس في «ليّ ذراعه»، لاحظتْ أن هذه الحملة سرعان ما استدرجتْ خطاً أحمر حول الحريري من الزعامات الروحية والسياسيّة السنية عبّر عنها بوضوح رؤساء الحكومة السابقون ومفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان، الذي اعتبر أن «مِن المعيب ما يحصل بحق رمز وطني كبير هو الرئيس سعد الحريري لما يتعرّض له من حملات افتراء وتجريح وتشويه تشنّ عليه لأهداف سياسية بامتياز لإعاقة دوره الوطني الذي يتزامن مع مساعيه المكثفة لتشكيل الحكومة ضمن الأطر الدستورية والقانونية».
ولم يكن أقلّ تعبيراً انتقال «كرة التوترات» على خلفية حملة وهاب الشعواء، الى الجبل مع تسيير مناصري الأول مواكب سيارة أطلقت النار في الهواء بين مناطق الشوف ومعاصر الشوف والباروك والمختارة، وذلك بعدما كان زعيم «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط تولى الردّ العنيف على وهاب ولاقته المرجعية الروحية لطائفة الموحدين الدروز.

"الراي الكويتية" - 1 كانون الأول 2018

إرسال تعليق

 
Top