0
بات اللبنانيون يُدركون المعنى الحقيقي للمواقف العونية التي تدّعي بأن حكومة الرئيس الحريري لم تكن الحكومة الأولى في عهد الرئيس ميشال عون.

بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وتأليف حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الرئيس سعد الحريري بأشهر عديدة، صدرت تباعاً سلسلة مواقف عن نواب وقياديين في «التيار العوني»، ينكرون فيها ان تكون حكومة الحريري هي الحكومة الأولى في عهد الرئيس عون ويتجاهلون كل ما قامت به من مهمات وما اتخذته من قرارات وخطوات مهمة بمشاركة رئيس الجمهورية ووزراء التيار العوني، بل ويذهبون إلى أبعد من ذلك عندما يعتبرون ان الحكومة الأولى للعهد تبدأ مباشرة بعد اجراء الانتخابات النيابية التي انجزت في السادس من أيّار المنصرم.

وهكذا توالت مثل هذه المواقف «الديمانموجية» واللامنطقية وسط استغراب الوسط السياسي وشرائح واسعة من اللبنانيين لتردادها بالرغم من الانتقادات التي وجهت بها من أكثر الأطراف السياسيين لمغايرتها للواقع، إلى ان بدأت المشاورات لتشكيل الحكومة الجديدة التي اصطدم تألفيها حتى اليوم بشهية مفتوحة للتيار العوني للاستئثار بحصة وزارية تفوق حصته الطبيعية، بدأت المطالبة بالثلث زائد واحد، ثم تدرجت بعد ذلك لانتقاء الحقائب الوزانة والسعي الدائم لتقزيم حصة خصومه السياسيين في المقاعد والحقائب الوزارية على حدٍ سواء وانتهاء بمحاولة الترويج لحكومة اكثرية تخلو من هؤلاء الخصوم وتبعدهم عن المشاركة في الحكومة بالرغم من حساسية هذا التصرف وتأثيره السلبي على انطلاقة الحكومة والعهد وعلى الواقع السياسي ككل ورفض أكثرية الأطراف السياسيين السير فيه واصرارهم على مشاركة جميع الأحزاب والتيارات السياسية الفاعلة في الحكومة المرتقبة.


وهكذا بدأت تتكشف رويداً رويداً ما كانت تعنيه مواقف «التيار العوني» التي تؤشر إلى ان حكومة الرئيس سعد الحريري ليست هي الحكومة الأولى لعهد الرئيس عون، خلافاً للواقع والحقيقة إلى ما فضحته مطالب «التيار العوني» التعجيزية ومحاولته فرض شروط غير مقبولة لتولي خصومه ومشاركتهم في الحكومة المرتقبة، وهو الاستئثار بالحصة الأكبر بالمقاعد والحقائب الوزانة للتحكم بسياسة وقرارات الحكومة الجديدة بما يسهل الطريق لوضع يد «التيار العوني» على كل مفاصل الدولة، ان كان فيما يخص القرارات المتعلقة بتسيير أمور النّاس وتنفيذ المشاريع أو رسم وتنفيذ السياسة الاقتصادية، والتعيينات الإدارية في المراكز الحسّاسة والمهمة في الدولة أو رسم السياسية الخارجية والتعاطي مع المجتمع الدولي.

ولا شك ان ما كانت تعنيه المواقف الناكرة لوجود حكومة الرئيس الحريري في بداية عهد الرئيس ميشال عون والتي بدأت تتجسّد بالتعاطي في مسألة تشكيل الحكومة الجديدة، باتت اليوم تشكل المشكلة الأساس وتزيد من التعقيدات والصعوبات التي تعترض إنجاز عملية تأليف الحكومة وقد تُطيل مسار أزمة التشكيل أكثر مما هو متوقع إذا استمرت شهية «التيار العوني» وحلفائه على التشبث بالمطالب التعجيزية التي تفوق حصة «التيار» وتتعارض مع مطالب وحصص باقي الأطراف السياسيين انطلاقاً من طموح «التيار» للامساك بمعظم مفاصل الحكومة سعيه المستمر لترجمة شعار الحكومة الأولى في العهد في حين يواجه هذا الشعار بإصرار على ان تكون الحكومة الجديدة، حكومة وفاق وطني تتمثل فيها الأطراف السياسية الأساسية بمقاعد وحقائب متوازنة إلى حدٍ ما ولا تعكس غلبة فريق على آخر أو جنوح البعض للاستئثار والتحكم بسياسة الحكومة وقراراتها لمصلحة طرف أو فئة أو فريق معين على حساب باقي الأطراف الآخرين، لأن أي خلل أو قلب موازين القوى لصالح أي طرف كان سيؤدي حتماً إلى تعثر انطلاقة الحكومة أو إلى عرقلة قيامها بالمهمات المطلوبة منها.

اليوم، بات اللبنانيون يُدركون المعنى الحقيقي للمواقف العونية التي تدّعي بأن حكومة الرئيس الحريري لم تكن الحكومة الأولى في عهد الرئيس ميشال عون وما يحصل اليوم بالممارسة والتعاطي على حدّ سواء يترجم هذه المواقف عملياً على الأرض ويكشف حقيقة النوايا الكامنة وراءها.

ويخشى أن يؤدي التشبث بمضامين هذا الموقف وابعاده السياسية إلى أزمة سياسية طويلة الأمد، تزيد من حدة عدم وجود حكومة جديدة تتولى إدارة السلطة ومقاربة الملفات والقضايا المهمة داخلياً وخارجياً على حدّ سواء، لا سيما مع تثبت كل الأطراف بمواقفها ومطالبها في التشكيلة الحكومية الجديدة.

ويلاحظ بهذا الخصوص، أنه كلما لاحت في الأفق بادرة إنفراج بقرب إنجاز التشكيلة الحكومية، تواجه بعقبات وعقد جديدة تعيق ولادة الحكومة الجديدة.

فإذا كانت المعادلة المطلوبة من «التيار العوني» حكومة على قياس «التيار» وحلفائه على حساب باقي الأطراف كما يظهر ذلك من خلال المواقف والمطالب والشروط الموضوعة، فهذا يعني حتماً أن وقت ولادة الحكومة لم يحن بعد وقد يستغرق وقتاً أطول مما هو متوقع الا إذا اقتنع «التيار» باستحالة تحقيق طموحه من خلال هذه المعادلة غير الممكنة في ظل توزيع وتوازن القوى السياسية الحالية، إن كان من خصومه السياسيين أو حتى من يعتبرون أنفسهم في نفس الخط السياسي الذي ينتهجه.

ولا شك أن الأيام المقبلة ستكشف كل المواقف على حقيقتها بعد أن استنفدت المشاورات الجارية لتشكيل الحكومة الجديدة، وسيعرف اللبنانيون الطرف السياسي الذي يعيق عملية التأليف لا سيما مع إعلان الرئيس الحريري بأنه يتوقع إنجاز عملية التأليف بعد عشرة أيام تقريباً.

معروف الداعوق - "اللواء" - 9 تشرين الأول 2018

إرسال تعليق

 
Top