0
في كل مرة كانت تشعر «القوات اللبنانية» بأنها محاصرة وخصوصاً بعد اتفاق معراب كانت تلجأ الى عباءة العهد مصرّةً على أنه يبقى ملجأها، وفي كل مرة كانت تتهم بأنها تستعطف الرئيس، الذي برأي القاعدة القوّاتية لن يخذل صهره، تسارع القيادة القواتية للتوضيح بأنّها تلجأ الى أبوّة الرئيس وعدله، مستندةً الى الإتفاق «المقدّس» والى العهد الذي أبرمته مع «الجنرال الرئيس» شخصيّاً من دون سواه، ومن هناك استمدّت ثقتها لا قوتها فراهنت على حكمته.

كانت «القوات» تعلم ضمناً أنّ المواجهة ستأتي يوماً، بحسب تعبير أوساطها، لاسيّما عند الاستحقاقات الكبيرة، فأملت بثبات الرئيس على عهده معها، أقلّه مسيحيّاً، ووضعته في خانة «السَنَد» لتحصيل العدد الأكبر من الحقائب للطائفة المسيحية «الداعمة للرئاسة».

مناصرو «القوات اللبنانية» يشعرون اليوم بأنّ الرئيس خذلهم، ويبررون لـ»القوات» بأنها اعتبرت رئيس الجمهورية مُدركاً تماماً لدقة المرحلة ويقدّر أهمية التصويت العددي في اجتماعات مجلس الوزراء لاسيّما في القرارات المصيرية والاستراتيجية، والتي من المفترض أن تجمع تصويت فريقي «القوات» والرئيس وليس العكس.

مصادر مقرّبة من «القوات» توضح لـ»الجمهورية» انه وفق هذه النظرية راهنت «القوات اللبنانية» ولم تراهن على المطالب التي طمع بها رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل. وفي كل مرة شعرت «القوات» نفسها مستفَزّة من «الصهر» خصوصاً من خلال تصاريحه التي «قَزّمت» اتفاق معراب كانت تسارع بإيفاد «رسول سلامها» الوزير ملحم الرياشي الى القصر «لأخذ بركة الرئيس»، وكان عند كل مِفصل يعود محمّلاً بغصن الزيتون ليطمئن الجماهير القواتية أنّ الاتفاق بأمان وأنّ الرئيس ما زال معنا «فإذا كان ربّ المنزل معنا فمَن علينا؟!».

بعد كشف وثيقة معراب وبعد اتهام «التيار الوطني الحر» «القوات» «بنَكس التعهد»، أعلن عون شخصياً تعليق اتفاق معراب.

لكنّ رسول القوات لم ييأس، وتكثفت زياراته كـ«رسول السلام» ليس فقط الى بيت الوسط بل الى بعبدا، لاسيّما مؤخراً لتحصيل حقوق «القوات» حين شعرت انّ «الخطر يدقّ فعلاً على الابواب»، وصمدت وهي تردد دوماً على لسان رسولها انّ الرئيس ضمانتها وطمأنها أن لا خوف من السياسة على الاتفاق.

إلّا أنّ الخوف على الإتفاق من أن تطيحه الأزمة الحكومية بَدا واضحاً عندما يئس ابراهيم كنعان والرياشي، وهما رسولا «التيار» و«القوات»، فهرولا الى الديمان مستنجدَين بالبطريرك الراعي. ومن هناك طمأن أيضاً الرياشي المجتمع المسيحي بالقول: «إنّ ما نختلف عليه في السياسة نتفق عليه في السياسة ايضاً»، لكنّ كلامه لم يترجم عملياً، فلا اتفاق عونياً قواتياً ولا حكومياً.

«القوات» بحاجة الى ثورة وليس الى رسل سلام

يمر القواتيون اليوم بفترة أليمة، ليس بسبب اقتراب ذكرى تكريم شهدائهم فقط، بل لأنّ القيادة وعدتهم بأنها «كرمالهن» تساهلت وضَحّت وتنازلت. صحيح انها قطفت انتخابياً، لكنّ ثمارها لم تثمر غلالها حتى الساعة.

امّا الاوساط المقرّبة من «القوات»، فتقيّم وضعها الحالي بأنه مخيّب للآمال، موضحة أنّ الرهان على رئاسة الجمهورية بما مثّلتهُ على مرِّ التاريخ من نضال لحماية المسيحيين وتحصين مواقعهم لم يتقيّد الرئيس القوي به حسب تعبيرهم، بل إنّ الرئيس خذل الأحزاب المسيحية جميعها خصوصاً «القوات اللبنانية»، وذلك بعد رفضه للتشكيلة الحكومية التي «أودعها» الرئيس الحريري بعهدته وحده، وبعد ما نمي الى «القوات» من حقائق وليس تسريبات من أنّ عون رفض حصتها في الحكومة، الأمر الذي تعتبره اليوم اوساط «القوات» مواجهة مباشرة لثَنيها عن بناء آمالها عليه والتوقف عن الهروب من مواجهة الواقع.

هذا هو الواقع الرئاسي الذي تتأسّف عليه الأوساط القواتية وتجزم بأنّه سيبقى معادياً لها حتى لو أضاءت له العشرة، حتى لو راهن الفريقان القوات والتيار على العكس وحتى لو استنجد رسولاهما «بالفاتيكان». وفق تعبيرها

التصعيد مقبل ؟

وعن الخطوة المقبلة المفترضة لـ»القوات» بعد المستجدات الحكومية، تقول تلك الاوساط:

-1 لطالما كانت «القوات» من صقور المعارضة ويجب عليها العودة الى صفوفها وإيقاف تدوير الزوايا التي لا أفق لها، والعودة الى التمسك بالعددية التي تنصف حجمها.

-2 لتَحَصُّن «القوات» مع كتل كبيرة معارِضة خارج الحكومة لاسيّما أن العهد يمهّد من خلال أدائه الى إفشال ذاته، ولن تنقصه معارضة «القوات اللبنانية» لو أخذت قرارها بالمعارضة.

وتذكر اوساط «القوات» بأنّ حزبها أساسه مُقاوم، وحين بدأ بتقديم التنازلات وصل الى حالة الاستضعاف من الآخرين ومن الذات.

فالقاعدة التي تشكّل جسد «القوات اللبنانية» وروحها تعتقد انّ «القوات» أخطأت في اختيار ممثليها، لأنّ المرحلة الحالية القواتية تتطلب «ذئاباً قواتية» وليس «رسل سلام» بالإشارة الى دور البعض المسالم والمهادن والذي تصفه أوساط مقربة من «القوات» أنه ينفع في حكومة النروج وسويسرا وهولندا إنما ليس في غابة الذئاب.

وتضيف: «نحن مقاومة منذ التاريخ ولا نستجدي حقوقنا الشرعية والعددية»، موضحة «انّ «القوات» ثورة، وليست هرولة لمراضاة الآخرين باستثمار فاشل لن يؤدي الى خلاص المسيحيين». وتضيف المصادر نفسها أنّ مواكبة المسيرة النضالية والخبرة الحربية تساهم في تعزيز التشدد في المطالب القواتية، فيما دبلوماسية البعض تنفع في بلاد متقدمة ومتحرّرة وخصوصاً في المرحلة الاستراتيجية الخطرة التي يمر بها لبنان، فـ»القوات» بحاجة الى مناضلين عايشوا الحرب وذئاب ينتزعون حقوقهم بالقوة.

الواقع القواتي اليوم

أمّا «قوات الواقع» فقد استدركت في الايام الاخيرة انّ الصعوبة في إقناع باسيل ليست بصلب معارضة الرئيس الذي اعتبرته خلال معاركها السياسية الاخيرة «بَيها»، لكنه خذلها فلجأت الى الرئيس برّي كخطوة أخيرة قبل إعلان الحريري تشكيلته، لعلّ رئيس مجلس النواب يستنبط أرنباً آخر أبيض.

فهل تنقل «القوات» سلاحها من كتف «البَي السياسي» الى كتف «البَي الشرعي» الذي حافظ على دوزنة الحصص الحكومية مُفرملاً الانقضاض على حقوق الثنائية المستهدفة «ج - ج»، أي جنبلاط وجعجع؟

والى متى ستستمر «القوات» في تقديم التنازلات؟ المصادر القيادية في «القوات» والمستاءة مما وصلت اليه جهودها من تقديم التسهيلات، تختصر الإجابة وتحسمها: «لا تنازلات بعد اليوم، والكلام في ذكرى الشهداء».

مرلين وهبة - "الجمهورية" - 7 أيلول 2018

إرسال تعليق

 
Top