0
يكثر الكلام في الفترة الأخيرة عن ضرورة إعادة العلاقات بين لبنان وسوريا، برغم انها لم تنقطع يوما. فالعلاقات الديبلوماسية بقيت بين البلدين خلال كل فترة الحرب في سورية، وكان سفير سورية يستفيد من المساحة السياسية اللبنانية لتعويض بعض النقص في الديبلوماسية السورية في عواصم أخرى، بينما لم تعلن الحكومة اللبنانية سحب السفير اللبناني من دمشق، كما فعلت أغلبية الحكومات العربية، وهي عينت سفيرا جديدا نهاية العام الماضي هو سعد زخيا، بعد إحالة السفير السابق نصري خوري الى التقاعد.

بعض الأطراف السياسية اللبنانية تقيم علاقات متقدمة مع الحكومة السورية، ومنهم غالبية القوى التي كانت تدور في فلك قوى 8 آذار، إضافة الى أطراف محسوبة على رئيس الجمهورية الذي اعلن ان مقربين منه يزورون سورية، وخصوصا الوزير بيار رفول. بينما تقاطع النظام السوري قوى لبنان مختلفة، لاسيما التي كانت تدور في فلك قوى 14 آذار، أو التي أيدت منذ البداية مطالب الشعب السوري.

اضطر رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري الى الإجابة عن أسئلة الصحافيين قائلا: "انه لن يقيم علاقات مع النظام السوري، وان جامعة الدول العربية ما زالت على قرارها مقاطعة الحكومة السورية". جاء الرد على خلفية الضغوطات السياسية والإعلامية الممنهجة التي حصلت أخيرا، وهي تحفز الحكومة اللبنانية على التواصل مع الحكومة السورية، لاسيما بسبب العوامل الاقتصادية الملحة، او بسبب التفاوض حول عودة النازحين السوريين الى بلادهم، رغم ان عمليات التواصل تجري بين أطراف رسمية وغير رسمية في لبنان وأطراف حكومية في سورية.

واقع الحال كما تقول أوساط سياسية متابعة، ان "لبنان يحتاج الى الأراضي السورية لتفعيل حركة تصدير منتجاته الزراعية بريا الى دول الخليج العربي والعراق، وفتح معبر نصيب بين سوري" والأردن، مهم للاقتصاد اللبناني. ولكن بالوقت ذاته ما ينفع استخدام معبر نصيب إذا ما قررت دول الخليج عدم استقبال شاحنات البضائع القادمة من لبنان. إذا، لبنان لا يستطيع التفريط بسياسته العربية لمصلحة علاقاته مع سوريا.

بالمقابل، فإن التهويل السياسي على المعارضين لإعادة العلاقات الشاملة بين لبنان والحكومة السورية، لا يحمل مبررات موضوعية كافية، بصرف النظر عن حجم القوى والإمكانات، ذلك ان سورية - برأي أوساط سياسية متابعة - مستفيدة من لبنان عشرات الأضعاف من حجم استفادة لبنان من المرور البري عبر أراضيها الى أسواق الخليج. واذا استعرضنا بعض الجوانب المعروفة، نرى، بإن التبادل التجاري الرسمي بين البلدين والذي يقارب 550 مليون دولار هو لصالح سورية اكثر مما هو لصالح لبنان، بينما تهريب المنتوجات السورية الى الاسواق اللبنانية هي اضعاف التبادل التجاري الرسمي، ويسبب كارثة للمنتوجات اللبنانية، لاسيما الزراعية منها. وبالتالي فإن الاقتصاد السوري يستفيد من لبنان اكثر من استفادة الاقتصاد اللبناني من سورية. 

تتساءل الأوساط المتابعة: "لماذا لا يتم التعامل بالمثل بين لبنان وسوريا، على قاعدة العلاقات الأخوية بين الشعبين، فالاخوة ينظمون مصالحهم لكي تستمر من دون شوائب. وهل لبنان دولة قاصرة او تابعة ليتم التهويل عليها وتهديدها بالاستباحة وتخوين مسؤوليها عند كل مفترق؟"

ناصر زيدان - "الأنباء الكويتية" - 22 آب 2018

إرسال تعليق

 
Top