0
يشوب العملية الانتخابية في لبنان الكثير من النتوءات والشوائب، كان سبب أغلبيتها القانون الغريب من حيث الشكل ومن حيث المضمون، لأن عددا كبيرا من الناخبين لم يتعرفوا بعد على الطريقة التي سيقترعون بها، كما ان أغلبية أخرى محرجة في طريقة إعطاء الصوت التفضيلي، لأنها تنتمي الى أحزاب، وهناك أكثر من مرشح للحزب او الكتلة في دائرة واحدة، وهؤلاء الناخبون لا يرغبون في التمييز في تأييدهم بين مرشح وآخر في نفس اللائحة، كما ان الحزب محرج أحيانا في إعلان موقف صريح من منح الصوت التفضيلي في الداخل، على عكس ما حصل في صناديق الاقتراع للمغتربين.

ويعتري العملية الانتخابية شوائب أخرى متعددة، منها على سبيل المثال ضغط بعض القوى النافذة في الدولة للتأثير على الناخبين، من خلال تهديد مصالحهم، او من خلال تقديم خدمات آنية، هي بمنزلة الرشوة الانتخابية، كما في ملف توزيع «الأسفلت» على طرقات خاصة في بعض المدن والبلدات، بينما تفتقد الى هذا «الزفت» بعض الطرقات الرئيسية.

حتى إن وزير الأشغال يوسف فينيانوس تحدث هو ذاته عن هذا الاستغلال الانتخابي لـ «زفت» الدولة في بيان صحافي، بعد ان استفحل هذا الاستغلال من قبل مرشحين في منطقة الشوف على وجه التحديد (كما ذكر الوزير).

وهناك ثغرات متعددة ومتنوعة تناقلتها وسائل الإعلام، منها بعض التجاوزات الأمنية، ومنها تسريب معلومات رسمية عن الإحصاءات وغير الإحصاءات لجهات نافذة دون الأخرى، وكذلك في توزيع بعض أقلام الاقتراع على المراكز التي تلائم بعض المرشحين دون غيرهم على خلفيات طائفية او حزبية. وهذا تحديدا ما حصل في بعض قرى الجبل.

لكن كل هذا الاهتزاز في صورة المشهد بين الحين والآخر، لا يلغي مراحل العرض الانتخابي حتى اللحظة الأخيرة، والجهود التي تبذلها دوائر وزارة الداخلية، والأجهزة العسكرية والأمنية المختلفة، تؤكد هذه الواقعة.

كما هناك إصرار من القوى السياسية الرئيسية على تمرير الانتخابات مهما كان الثمن، وبأقل خسائر ممكنة، ومهما كانت نتائج صناديق الاقتراع.

بعض الاعتداءات التي حصلت بحق عدد من المرشحين، كانت محل استنكار من قوى رئيسية في البلاد، ومنهم من تدخل بشكل مباشر ووقف بوجه هذه التجاوزات علنا. ويمكن ذكر بيان مجلس القضاء الأعلى، وتصريح الرئيس نبيه بري، وتغريدة رئيس اللقاء الديموقراطي وليد جنبلاط، وموقف وزير الداخلية نهاد المشنوق، في هذا الإطار.

يقول خبراء متابعون: ان هذه الانتخابات قد تكون الأصعب في تاريخ لبنان، وهي ستؤسس لواقع جديد، يختلف عن خصوصيات المرحلة السابقة، تحديدا عن مرحلة ما بين العام 1992 والعام 2017، لكن حسابات «بيدر» بعض القوى التي خططت لتغيير المشهد، قد تختلف عن حسابات «حقلها».

وتغيير الخارطة السياسية ربما لا يكون في صالح هذه القوى، ومنها تحديدا التي تحمست لإقرار هذا القانون.

بطبيعة الحال فإن لبنان يحتاج الى تجديد حياته السياسية، ولكن أمام الفائزين الجدد مهام صعبة، ومسؤوليات كبيرة، ينتظرها اللبنانيون، وغير اللبنانيين، أهمها وقف الهدر، والحد من استخدام السلطة للمصالح الفئوية او الشخصية، والتخفيف من غلو المشاعر الطائفية والمذهبية التي ساهم في تأجيجها قانون الانتخاب.

ناصر زيدان - "الأنباء الكويتية" - 29 نيسان 2018

إرسال تعليق

 
Top